سيف الله المسلول خالد بن الوليد

محمد فاروق الإمام

سيف الله المسلول خالد بن الوليد

محمد فاروق الإمام

[email protected]

خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد، القرشي المخزومي، أمه لبابة الصغرى، وهي بنت الحارث بن حزن الهلالية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، هو ابن خالة أولاد العباس الذين من لبابة. ويكنى بأبي سليمان.

كان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكان إليه القبة وأعنة الخيل في الجاهلية، أما القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحرب، قاله الزبير بن بكار.

ولد خالد بن الوليد سنة 584م في مكة ، وكان والده الوليد بن المغيرة سيداً في بني مخزوم ومن سادات قريش واسع الثراء ورفيع النسب والمكانة, حتى أنه كان يرفض أن توقد نار غير ناره لإطعام الناس خاصة في مواسم الحج وسوق عكاظ ولقب بريحانة قريش لأنه كان يكسو الكعبة عاماً وقريش أجمعها تكسوها عاماً وأمه هي لبابة بنت الحارث الهلالية.

كان له ستة إخوة وأختان، نشأ معهم نشأة مترفة، وتعلم الفروسية منذ صغره مبدياً فيها براعة مميزة، جعلته يصبح أحد قادة فرسان قريش.

كان خالد بن الوليد كثير التردد في الانتماء للإسلام، وقد أسلم متأخراً بعدما أسلم أخوه الوليد بن الوليد, وحارب المسلمين في غزوة أحد وقتل من المسلمين عدداً كبيراً وفي الأحزاب ولم يحارب في بدر لأنه كان في بلاد الشام وقت وقوع الغزوة الأولى بين المسلمين ومشركي قريش، غير أنه مال إلى الإسلام وأسلم قبل فتح مكة، رغم أنه كان صاحب دور رئيسي في هزيمة المسلمين في غزوة أحد في نهاية الغزوة بعد أن قتل من بقي من الرماة المسلمين على جبل الرماة و التف حول جيش المسلمين و طوقهم من الخلف و قام بهجوم أدى إلى ارتباك صفوف جيش المسلمين. في هذه الغزوة.

أسلم خالد متأخراً في صفر للسنة الثامنة الهجرية/ حزيران 629م، قبل فتح مكة بستة أشهر، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين، وتعود قصة إسلام خالد إلى ما بعد معاهدة الحديبية حيث أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد، فقال: (أين خالد؟)... فقال الوليد: (يأتي به الله).

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مثله يجهل الإسلام، ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيراً له، ولقدمناه على غيره)... فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده، فترك له رسالة قال فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد... فأني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك، ومثل الإسلام يجهله أحد؟!... وقد سألني عنك رسول الله، فقال أين خالد - وذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قال له: فاستدرك يا أخي ما فاتك فيه، فقد فاتتك مواطن صالحة). وقد كان خالد رضي اللـه عنه يفكر في الإسلام، فلما قرأ رسالة أخيـه سر بها سروراً كبيراً، وأعجبه مقالة النبـي صلى اللـه عليه وسلم فيه، فتشجع وأسلـم...

ورأى خالد في منامه كأنه في بلادٍ ضيّقة جديبة، فخرج إلى بلد أخضر واسع، فقال في نفسه: (إن هذه لرؤيا)... فلمّا قدم المدينة ذكرها لأبي بكر الصديق فقال له: (هو مخرجُكَ الذي هداك الله للإسلام، والضيقُ الذي كنتَ فيه من الشرك).

يقول خالد عن رحلته من مكة إلى المدينة: (وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة، وخرجنا جميعاً فأدلجنا سراً، فلما كنا بالسهل إذا عمرو بن العاص، فقال: (مرحباً بالقوم)... قلنا: (وبك)... قال: (أين مسيركم يا مجانين)... فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان/31 حزيران 629م. فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: (رمتكم مكة بأفلاذ كبدها)...

يقول خالد: (ولما اطلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وحينها قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا لا يسلمك إلا إلى الخير)... وبايعت الرسـول وقلت: (استغفر لي كل ما أوضعـت فيه من صد عن سبيل اللـه)... فقال: (إن الإسلام يجـب ما كان قبله)... فقلت: (يا رسول الله على ذلك)... فقال: (اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك)... وتقدم عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله)...

شارك خالد في أول غزواته في غزوة مؤتة ضد الغساسنة والروم، وقد استشهد فيها قادتها الثلاثة: زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فسار إلى الراية (ثابت بن أقرم) فحملها عاليا وتوجه مسرعاً إلى خالد قائلا له: (خذ اللواء يا أبا سليمان) فلم يجد خالد أن من حقه أخذها فاعتذر قائلا: (لا، لا آخذ اللواء أنت أحق به، لك سن وقد شهدت بدرا)... فأجابه ثابت: (خذه فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته إلا لك). ثم نادى بالمسلمين: (أترضون إمرة خالد؟)... قالوا: (نعم)... فأخذ الراية خالد وأنقذ جيش المسلمين، يقول خالد: (قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم، عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن رواحة فأصيب ،... وعيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم)... فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله.

ولقد أمره الرسول على أحد الكتائب الإسلامية التي تحركت لفتح مكة واستعمله الرسول أيضاً في سرية للقبض على أكيدر ملك دومة الجندل أثناء غزوة تبوك.

ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي، فقتل منهم من لم يجز له قتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".

فأرسل مالاً مع علي بن أبي طالب ليدفع دي القتلى، فدفع علي وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم، حتى ثمن ميغلة الكلب، وفضل معه فضلة من المال فقسمها فيهم، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك استحسنه، ولما رجع خالد بن الوليد من بني جذيمة أنكر عليه عبد الرحمن بن عوف ذلك، وجرى بينهما كلام، فسب خالد عبد الرحمن بن عوف، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لخالد: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".

وكان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم، فجرح خالد، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفث في جرحه فبرأ، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر بن عبد الملك، صاحب دومة الجندل، فأسره، وأحضره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية، ورده إلى بلده، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مذحج، فقدم معه رجال منهم فأسلموا، ورجعوا إلى قومهم بنجران.

وعن خالد بن الوليد: أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأكل منه، فقالوا: يا رسول الله، هو ضب. فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقلت: أحرام هو? قال: "لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه". قال خالد: فاجتزرته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.

قام خالد بن الوليد بدور كبير في حروب الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وواجه بجيشه المرأة سجاح مدعية النبوة و مالك بن نويرة الذي اتهم بالردة ".

ثم إن أبا بكر أمره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال المرتدين، منهم: مسيلمة الحنفي في اليمامة، وله في قتالهم الأثر العظيم، ومنهم مالك بن نويرة، في بني يربوع من تميم وغيرهم، إلا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرة، فقيل: إنه قتل مسلماً لظن ظنه خالد به، وكلام سمعه منه، وأنكر عليه أبو قتادة وأقسم أنه لا يقاتل تحت رايته، وأنكر عليه ذلك عمر بن الخطاب. وهناك شبهة تقول انه تبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد عن الإسلام بكلام بلغه أنه قاله، فأنكر مالك ذلك وقال: أنا على دين الإسلام ما غيرت ولا بدلت، لكن خالد لم يصغ لشهادة أبي قتادة وابن عمر، ولم يلق أذناً لكلام مالك، بل أمر فضربت عنق مالك وأعناق أصحابه. وقبض خالد زوجته ليلى (أم تميم فنزا عليها في الليلة التي قتل فيها زوجها). والرد على ذلك أنه لم يتأكد له إسلامه كدليل أول والدليل الثاني أنه لم يقتله، ولكن كانت ليلة شديدة البرد فقال خالد لأحد جنوده دافؤوهم وكان الجندي من كنانة ودافؤوهم في لغة كنانة معناها اقتلوهم فقتلهم وخالد منهم برئ، وعندما استدعاه الخليفة أبو بكر الصديق وهو من هو من كونه خليفة المسلمين والسابق في الإسلام ولا يدانيه أحد قد رضي من خالد عذره وروايته لأنه يعرفه جيداً وهي أصح الروايات.

خالد ومعركة اليمامة :

بعث أبو بكر جيشاً تحت قيادة عكرمة بن أبي جهل ولما اشتد بهم الحال، بعث لخالد لنصرتهم. ومع قدومه واشتداد المعركة التي بدأت لصالح مسيلمة جال خالد مع فرسانه وسط العدو فأربكوه وألحقوا به الهزيمة وتشجع باقي الجيش فأجهز على العدو وهرب مسيلمة في حديقته فاقتحمها المسلمون و قتل وحشي ابن حرب برمحه مسيلمة الكذاب لتنكسر شوكة أحد أكبر المشركين المدعين بالنبوة. ثم سارع خالد ابن الوليد بجيشه وفرسانه ليجول وسط الجزيرة العربية تأديبا للمرتدين وقد جعل الله النصر على يديه وأيدي الفرسان الباسلين الذين فاقوا كل تصور في الحنكة والبذل والعطاء في سبيل الله ولو صنعت الأفلام لبطولاتهم فلا تضاهيها بطولات قط فقد أوقعوا وكسروا شوكة ملوك العالم آنذاك بفضل إيمانهم.

وله الأثر المشهور في قتال الفرس والروم، وافتتح دمشق، وكان في قلنسوته التي يقاتل بها شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره به وببركته، فلا يزال منصوراً.

وسقطت منه قلنسوته يوم اليرموك، فأضنى نفسه والناس في البحث عنها فلما عوتب في ذلك قال: (إن فيها بعضاً من شعر ناصية رسول الله وإني أتفائل بها وأستنصر)... ففي حجة الوداع ولمّا حلق الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه أعطى خالداً ناصيته، فكانت في مقدم قلنسوته، فكان لا يلقى أحداً إلا هزمه الله.

أرسله الخليفة أبو بكر الصديق لنجدة جيوش المسلمين في الشام بعد أن ثبت خالد بن الوليد أقدامه في العراق، تحرك خالد بن الوليد وقطع صحراء السماوة ومعه دليله رافع وجيشه ووصل في وقت قياسي لنجدة المسلمين في بلاد الشام.

حين وصل إلى الشام ومعه تسعة آلاف وجد هناك جيوشاً متعددة عند اليرموك وأقترح أن تجمع الجيوش في جيش واحد فأختاره القواد لإمرة الجيش فقام بتنظيمه وإعادة توزيعه قبل معركة اليرموك. قبيل المعركة توفي أبو بكر وتولى الخلافة عمر بن الخطاب الذي أرسل كتابا إلى أبو عبيدة بن الجراح يأمره بإمارة الجيش وعزل خالد لأن الناس فتنوا بخالد حتى ظنوا أن لا نصر بدون قيادته ولكن أبا عبيدة آثر أن يخفي الكتاب حتى انتهاء المعركة واستتباب النصر تحت قيادة خالد. في المجمل خاض خالد بن الوليد رضي الله عنه معارك عديدة انتصر فيها كلها وأهمها (ذات السلاسل والثني والولجة وأليس وأمغيشيا والحيرة والأنبار وعين تمر ودومة الجندل والفراض. قتل من الفرس مئات الآلاف ليذوب الملك العظيم لفارس على يد عباد لله.

توفي في حمص 18 رمضان 21هـ/20 آب 642م ودفن فيها في الجامع المعروف بأسمه في مدينة حمص. وقد شهد خالد بن الوليد حوالي مئة معركة بعد إسلامه, قال على فراش الموت:

(لقد شهدت مئة زحف أو زهاها، وما في بدني موضع شبر، إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، فلا نامت أعين الجبناء).

 

ضريح خالد بن الوليد في مدينة حمص (سورية)

قبر خالد بن الوليد