عبد الرحمن الباني

ستُكتَب شهادتهم ويُسألون

أحمد العلاونة

يَحار المرء حين يريد أن يتحدَّثَ أو يكتبَ عن العالم الربَّانيِّ عبدالرحمن الباني رحمه الله وغفر له، فهو من بقايا السَّلف الصالح؛ من المؤمنين الصَّادقين الذين يعلمون فيعملون، ويعملون فيُخلصون، ويُخلصون فيَصدُقون، ولا نزكِّي على الله أحدًا.

فالشيخ الباني - رحمه الله وغفر له - عمل في الدَّعوة إلى الله في سوريا ومصر والسعودية، وعلَّم فيها، وتخرَّج به كثيرون، انتفعوا بعلمه ودعَوا له. ورأيت الناسَ تلهَجُ بذكره والثناء عليه على اختلاف توجُّهاتهم.

لم يترُك الشيخ الباني مؤلَّفات تدلُّ على علمه؛ إذ شُغل عنها بالتربية والتدريس وتأسيس المناهج.

عاصر العهودَ الأربعة في سورية: العثمانيَّ، والفرنسيَّ، والوطنيَّ، والانقلابيَّ الذي جرَّ على سوريا الوَيلات والدَّمار.

ثم عاصر قيامَ الحركة الإسلاميَّة في مصر، ولقيَ زعيمَها حسن البنَّا - رحمه الله - وتتلمذ عليه، واتصل بأعلامها، وعاصر امتدادَها إلى بلده، وعمل مع نُشَطائها، بل عمل في الدَّعوة الإسلاميَّة مع التوجُّهات والأفكار المختلفة، فكان كالنَّحلة التي تأخذُ من كلِّ وردة رحيقَها وخيرَ ما فيها. وكم تمنَّيتُ أن يكتبَ الشيخ ذكرَياته، أو أن يكتبَ تاريخًا للحِقبَة التي شهدها، ويؤرِّخَ للعمل الإسلاميِّ الذي نشط في مقتبل حياته بمصرَ وسوريا، ويذكرَ رأيه في الأحداث التي عاصرها. فالشيخ مؤرِّخٌ أمين، وصاحبُ ذاكرة قوية لم تَخُنه يومًا، وهو فوق هذا وذاك من أهل الإنصاف.

قرأت جُلَّ ما كُتبَ عن الشيخ رحمه الله، فوجدتُّ تواترًا واتفاقًا في الحديث عن تقواه وورعه وعفَّة لسانه، وأدبه وتواضُعه مع الجميع، ودقَّته فيما يكتب ويتحدَّث، وقد لمستُ ذلك من خلال لقاءاتي القليلة به في الرِّياض بصحبة أخي الحبيب أيمـن ذوالغـنى حفظه الله.

ومهما يطُل بي الحديثُ عنه فإني لا أستطيع أن أوفِّيَه حقَّه، وهو بحاجة إلى استيفاء واستكمال، عسى أن ينهضَ به من حضَرَ مجالسه، فيُدوِّنوا الفوائدَ والفرائدَ التي التقطوها منها، وما دارَ فيها من تعليقات.

رحم الله شيخنا الباني وأثابه كِفاءَ ما قدَّم لدينه وأمَّته.