سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني (21)

سطور من حياة الداعية الرباني

عمر التلمساني (21)

بدر محمد بدر

[email protected]

وأيضاً استفاد الإخوان فوز 9 من قيادات ورموز الجماعة بعضوية البرلمان لأول مرة في تاريخهم, كان منهم: محمد المسماري ومحمد المراغي ومحمد الشيتاني ومحمد المطراوي ومحفوظ حلمي وحسن جودة والشيخ صلاح أبو إسماعيل, وفاز حزب الوفد بـ 35 نائباً وأصبح زعيم المعارضة, ولم تتمكن الأحزاب المعارضة الأخرى من الفوز, لأن الحد الأدنى لدخول الحزب البرلمان كان حصوله على 8% من إجمالي الأصوات الصحيحة على مستوى الجمهورية, ولم يتمكن أكبر هذه الأحزاب, وهو حزب العمل, من تخطي هذه النسبة, ونجحت السلطة في إحداث خلافات داخلية بين قياداته عن طريق تعيين أربعة منهم في المجلس .

وفي أثناء الحملة الانتخابية اشتد هجوم الإعلام الرسمي, من صحافة وإذاعة وتليفزيون, على التعاون بين الإخوان والوفد, وبذل صحفيو السلطة كل ما في الوسع لتشويه هذا التعاون وإبراز علمانية الوفد من جهة وتشدد الإخوان المسلمين من جهة أخرى, واتهموا الإخوان بإنفاق الملايين من الجنيهات على شراء الأصوات والتأثير في توجهات الناخبين.. الخ, وعندما غادر الأستاذ التلمساني مصر أثناء الحملة الانتخابية للعلاج في الخارج ـ كان في الثمانين من العمر في ذلك الوقت ـ قالت صحافة الحكومة إنه غادر البلاد هرباً من المعركة الانتخابية, وعندما علم فضيلة المرشد بذلك, قرر العودة إلى مصر دون أن يكمل علاجه ليرد على هذا الاتهام, وحاول أن ينشر إعلاناً في الصحف بوصوله ليشارك في الانتخابات, لكنه لم يتمكن, وعندما سألوه بعد ذلك عن نزاهة الانتخابات, رد بذكاء شديد: لم أشاهد بنفسي تزويراً!.

كان الأستاذ عمر التلمساني ـ رحمه الله ـ عف اللسان, لين الجانب, رقيق المشاعر, وبهذا استطاع أن يكسب قلوب الجميع, الذين أيدوه والذين عارضوه على السواء, وكم من نار مشتعلة نجح في إخمادها بحسن تصرفه وبصيرته وإخلاصه..

وفي فترة الحملة الإعلامية الشرسة على الإخوان قبيل وأثناء وبعد الانتخابات البرلمانية, كتبت السيدة أمينة السعيد (وهي صحفية وكاتبة كبيرة لها مكانتها) مقالاً يهاجم الإخوان في مجلة المصور الأسبوعية, وأشارت إلى أنه جزء من سلسلة سوف تكشف فيها عن تناقضات الجماعة وأفكارها السياسية المنحرفة, وقرأ الأستاذ عمر المقال, واتصل بالسيدة أمينة السعيد, وسألها إن كان وقتها يتسع (ليشرب معها فنجان قهوة), ولما لم تمانع حددت المكان والزمان, وفي العدد التالي من "المصور" كتبت تقول: مقابلة كريمة مع رجل كريم! وتوقفت السلسلة الهجومية بحسن بصيرة المرشد العام, الذي لم يجد حرجاً في أن يذهب بنفسه للحوار مع منتقديه.

موقف مؤثر

موقف آخر مع الكاتب الصحفي المعروف الأستاذ إبراهيم سعدة, رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" الأسبوعية واسعة الانتشار, وأترك له شرح ماحدث, يقول (بتصرف): كتبت مقالاً طويلاً في "أخبار اليوم" بعنوان: "أسئلة إلى فؤاد سراج الدين وعمر التلمساني", وأبديت في هذا المقال دهشتي مما كتبه عمر التلمساني تأييداً لرفض مبدأ قيام الأحزاب والانضمام إليها, وهجومه العنيف ضد حزب الوفد بالذات, ثم يأتي الآن ويقبل الانضمام إلى حزب الوفد, ويسمح للعديد من الإخوان المسلمين ليكونوا نوابا وفديين تحت قبة مجلس الشعب!, كما وجهت انتقادا إلى الأستاذ فؤاد سراج الدين زعيم حزب الوفد الجديد, لقبوله انضمام الإخوان المسلمين إلى حزبه, رغم رأيهم القديم والحديث في رفض قيام الأحزاب السياسية.. ولم يهتم الأستاذ فؤاد سراج الدين بتساؤلاتي!.. ربما لم يهتم بقراءة مقالي باعتباره مضيعة لوقته الثمين! وربما لا يجد ما يستحق الرد أو التعليق,.. لكن الأستاذ عمر التلمساني كان موقفه مغايراً ومختلفاً.. لقد قرأ الداعية الإسلامي الكبير مقالي, وتحمس للرد على تساؤلاتي, وأرسل لي رداً على ماتناولته في سطوري, وقلت للذين اتصلوا بي من جانبه, إن أبسط حقوق الأستاذ التلمساني أن يرد, وأن يشرح موقفه, وأن يوضح الأسباب التي أقنعته بالتخلي عن مبدأ مقاطعة الحزبية والتحزب, وفوجئ الأستاذ الفاضل برأيي, ففضل ألا يرسل رده مع أحد من أعوانه, وطلب مقابلتي, وحاولت ـ احتراماً لسنه ومكانته ـ أن أنتقل إليه في المكان الذي يختاره, ولكنه أصّر على أن يأتي بنفسه إلى مكتبي!.

ويواصل الأستاذ إبراهيم سعدة فيقول: "وتقابلت مع الأستاذ الفاضل للمرة الأولي والأخيرة ـ للأسف الشديد ـ في مكتبي, ودار بيننا حديث طويل ومفيد, أسعدتني ثقافته, وبهرتني سماحته, وأذهلني تواضعه, وشرح لي معظم ما غاب عن فكري وذاكرتي, عندما أمسكت بقلمي وكتبت ماحيرني وأدهشني وأثار استغرابي! كان الفقيد العظيم عمر التلمساني عملاقاً في تواضعه, عملاقاً في سماحته, عملاقاً في احترامه لتعاليم دينه, عملاقاً في تفسيراته التي قدمها لتبرير مخالفة موقف الإخوان المسلمين من الأحزاب والتحزب, وكان عملاقاً في شرحه للخطوة التي اتفق عليها الإخوان المسلمون للانضمام لحزب كانوا يعتبرونه أعدى أعدائهم, ثم تحالفوا معه أخيراً, وخاضوا معه معركة الانتخابات الأخيرة التي أوصلت العديد من الإخوان المسلمين إلى الحصول على مقاعد مرموقة تحت قبة مجلس الشعب..