الشيخ عبد الرحمن الباني

د.أحمد البراء الأميري

أرقُّ من النسيم (1)

د.أحمد البراء الأميري

[email protected]

الشيخ عبدالرحمن الباني شخصيةٌ أرقُّ من النسيم، يكاد يُجمع كلُّ من عرفه على عدد من الفضائل التي تحلَّى بها رحمه الله، من أهمِّها: الحياء، والتواضع، وعفَّة اللسان، والأدب الجمُّ مع الصغار سنًّا ورتبةً في المجتمع.

ولأنه كان يُؤثِرُ السكوت؛ فلا يعرف من يلقاه لقاءً عابرًا ماذا يضمُّ هذا الجسم الناحلُ من العلم والفضل، فإذا تكلَّم رأيتَ بعض الدُّرِّ الكامن بين حَناياه.

لست أنا مِن أَولى الناس بالحديث عن الشيخ رحمه الله، مع أنني لقيتُه كثيرًا، لكنْ لقاءاتٍ قصيرةً أُتيحَت لي عندما جمعَني به مكتبُ وزير التربية والتعليم الدكتور محمد بن أحمد الرشيد الذي كان يقدِّره ويعرف فضله، لكنَّ واجبَ ذكر محاسن موتانا من العلماء والفضلاء والصُّلحاء لم يدَع لي عُذرًا عندما دُعيت لكتابة هذه السطور!

الشيخ رحمه الله في عمر والدي؛ فقد سمعتُ منه أنه وُلد عام 1917م، وكنت أُجِلُّه إجلالَ الابن لأبيه، وكان يُعاملني معاملةَ الأخ لأخيه، بل كان يسألني عن ابني صالح دائمًا: كيف (الأخ) صالح؟!([2])

ولم يمنعني احترامي للشيخ من التبسُّط معه في الحديث ورواية بعض الطرائف له التي لا يجرُؤ غيري على روايتها أمامه، فيضحَكُ منبسطًا، ويتقبَّلها مني بصدر رحب وبُعْد عن التزمُّت والتوقُّر.

كنتُ كثيرًا ما أراه حاملاً كوبَهُ الذي يشرب به الشايَ ليغسلَهُ ثم ليصُبَّ فيه الماء الساخن؛ إذ ما كان يرضى أن يطلُبَ من الإخوة العاملين في المَقْصِف أن يخدموه، ويُصرُّ على خدمة نفسه، وعلى خدمة ضيوفه بنفسه.. وكان يحتفظ في مكتبه ببعض الحلوى التي تصلُح ضيافةً لعابر يزوره، أو بكعك يُسكت الجوعَ في وسَط النهار إلى أن يحينَ وقت الغداء.

ولا يزال ولدي صالحٌ الذي زار معي الشيخ، وحاول أن يقبِّلَ يده فسحبها منه- لا يزال يذكُر هديةَ الشيخ له عندما فتح دُرجَ مكتبه لضيافته فأعطاه صُندوقًا كاملاً مملوءًا (بالشكولا)!! وكان صالحٌ يتوقَّع أن يُضيِّفَه قطعةً أو قطعتين.

وبالمناسبة، فكم حاولتُ أن أحتالَ على الشيخ لأقبِّلَ يده قُبلةَ الحبِّ والاحترام فلم يسمَح لي رحمه الله!

وأنا أكتبُ هذه الكلمات أمامي المجلَّد الأول من ((المعجم الوسيط)) وفيه ورقةٌ هي صورةٌ عن الصفحة (177) من المعجم، مكتوبٌ في أسفلها بخطِّ الشيخ الأنيق: (المعجم الوسيط، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر- 1392هـ/ 1972م). وكان الشيخُ رحمه الله قد صوَّرها لي عندما سألني عن الطبعة التي عندي، وقال: خُذ هذه الورقة، وضعها في مكانها من نُسختك ففي هذه الطبعة ما ليس في طبعتك من الصواب!

أُنهي هذه السطورَ على استحياء، ولو كنت مسؤولاً عن الكتاب الذي سيُترجم للشيخ رحمه الله لما ضمَّنتها فيه! ولكن...

اللهم اغفر لشيخنا (الباني)، وارفع مقامَهُ لديك، واجزِه عن المسلمين خيرَ الجزاء، واجمعنا به في عليِّين.

الدكتور أحمد البراء الأميري يكتنفه: أيمن بن أحمد ذوالغنى، والأستاذ شمس الدين درمش،

في ندوة الوفاء للأديب الراحل عبدالعزيز الرفاعي

                

([1]) تفضَّل أديبنا الأميري بكتابة هذه الكليمة لتنشرَ في كتاب ((المربي الرباني عبدالرحمن الباني، شذرات من سيرته، وشهادات عارفيه)) إعداد وجمع الأستاذ أيمن بن أحمد ذوالغنى.

([2]) كان ديدن شيخنا تقدير الأطفال وتشجيعهم، ولم يكن يسألني عن ولدي أحمد مذ كان طفلاً صغيرًا، إلا بقوله: كيف الأخ أحمد؟ وهذا من تواضُعه ونبل أخلاقه رحمه الله تعالى (أيمن).