أثر العلامة المربي عبدالرحمن الباني في الشيخ المحدِّث عبدالقادر الأرناؤوط

أثر العلامة المربي عبدالرحمن الباني

في الشيخ المحدِّث عبدالقادر الأرناؤوط (1)

أيمن بن أحمد ذو الغنى

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

لقد كان من نعَم الله السَّابغة على شيخنا المحدِّث عبدالقادر الأرناؤوط أن هيَّأ له في مَطلَع شبابه رجُلاً كريم الخِلال حَميد المناقِب، ذا شخصيَّة فذَّة في العلم والأخلاق، لا تحسَبُه إلا من جيل الصَّحابة الكرام، ممَّن تتلمَذ لسيِّد الخلق صلى الله عليه وسلم، تأخَّر به الزمان فعاشَ بيننا؛ ليكونَ مثالاً يُقتَفى، وقُدوَة تُتَّبَع، إنه فضيلةُ شيخنا المعَمَّر بقيَّة السلَف الصالح العلاَّمة المربِّي عبدالرَّحمن الباني، حفظه الله تعالى وأمتَع به، وبارك في عُمره = هيَّأه الله ليكونَ ناصحًا أمينًا للشابِّ عبدالقادر الأرناؤوط، يأخُذ بيده ويدلُّه على الجادَّة اللاَّحِبَة الآمِنَة.

ولقد بَهَرت شخصيةُ الباني فقيدَنا، فأقبل عليه يَنهَلُ من خُلُقه الرَّضِي، ومن علمه النافِع، وما أكثرَ ما سمعتُ - وسمع إخواني - شيخَنا الأرناؤوط يُثني على العلاَّمة الباني، ويُرجع إليه الفضلَ، بعد فضل الله سبحانه، في تَعريفه بمنهَج السلَف الصالح، وبالفكر السلَفي النَّقي.

ولنُصْغِ إليه يُنْبئنا خبرَه، يقول:

كنتُ في شبابي خطيبًا مِقْوَلاً، أعتَلي المِنبَرَ وأخطُب الناس بحماسة واندفاع، يكادُ المسجد يَزَّلزَلُ من قُوَّة خُطبتي وارتفاع صَوتي، وكنت حينَها أرتدي عِمامَةً عاليةً كالأبراج، وجُبَّةً سابغةً أكمامُها كالأخْراج، فكانت نفسي تخدَعُني وتُوَسوسُ إليَّ بأنْ ليس على الأرض مثلي، وحينما أفرُغُ أنزل من على المنبَر وشُعوري كمَن خرجَ من معركة ضارية غالبًا مُنتصرًا.

وكان يُقبل إليَّ بعدَ الصلاة رجُلٌ مهذَّب وَديع، يسلِّم عليَّ بابتسامة عَذبة آسِرَة، ويُثني عليَّ وعلى خُطبتي، بعبارات تملأُ نفسي سعادةً وغِبطَة، ثم كان يستأذنُني في إبداء بعض الملاحظات، بأُسلوب يبلغُ في الرِّقَّة الغايَة، فكنت أرحِّبُ بملاحظاته، وأفتَح لها قلبي قبل أُذني، فيقولُ لي: يا أُخَيَّ، بارك الله فيكَ، وجزاكَ خيرًا، خُطبتُك رائعةٌ ممتازة، ولكنْ ليتَك لم تستَشْهد بالحديث الفُلاني، فإنه موضوع، ولا يَنبغي الاستشهادُ بما لا يَصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وَرَدَ عن رسولنا في مَعناه أحاديثُ صحيحةٌ يحسُن الاستشهادُ بها، منها ... ويذكُر لي بعضَها.

وهكذا كان بعدَ كلِّ خُطبة يُسدي إليَّ نصائحَ ذهبيَّة، يَنهاني فيها عن بدعَة كنتُ بها جاهلاً، أو يَلفتُني إلى سُنَّة مَهجورَة كنتُ عنها غافلاً، كلُّ ذلك يقدِّمه بتَواضُع جَم، يُجبرُني معه على الاستِجابَة، عن رضًا وسعادَة، ولساني يَلهَجُ بالدعاء له، والشُّكر لصَنيعه، ذلكم الرجلُ هو الشيخ الجليل عبدالرحمن الباني، الذي كان لي في أُسلوبه الحكيم أُسوةً حسنَة، جزاهُ الله عنِّي خيرَ الجزاء.

الشيخان الباني والأرناؤوط رحمهما الله تعالى

                

([1]) هذه الفقرة مُقتطَفة من كتابي ((عبدالقادر الأرناؤوط المحدِّث الحافظ والإمام القدوة))، يسَّر الله تمامه ونشره قريبًا.