سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني (6)

سطور من حياة الداعية الرباني

عمر التلمساني (6)

بدر محمد بدر

[email protected]

رأي في الزواج

ويقدم الأستاذ عمر عصارة تجربته الاجتماعية, فيقول: "إنني أنصح ـ وعن تجربة ـ كل فتاة وفتى يريدان الزواج, ألا يجعلا مايسميانه الحب أساساً للعلاقة الزوجية, إن الزواج إذا بدأ بهذه العاطفة الملتهبة التي يسمونها "الحب" لا يلبث أن تنطفئ جذوته بعد سنتين أو ثلاث, وخاصة إذا بادرتهما الذرية بالمجئ.. الزواج يجب أن يقوم أولاً على رضاء الوالدين ورضاء الزوج, أما تخطي إرادة الوالدين, فما الزواج إذ ذاك إلا نزوة اتصال, حتى إذا تم الاتصال وتكرر وأصبحت المحبوبة طوع اليمين, تبخر كل ذلك الغليان العاطفي, ولم تبق إلا صلة صداقة بين الزوجين هي من أرقى صور الصداقة, وبالوفاء تدوم الزوجية سعيدة هانئة..".

التحق "عمر" بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن) في عام 1924, بعد نحو العام على زواجه وبعد وفاة والده, كان مغرماً بمواقف المحامين أثناء المرافعات وارتفاع نبراتهم, بينما يجلس القضاة مستمعين صامتين, كان يقرأ أن المحامين هم حماة الحرية والمطالبون بالحقوق والأحرار البعيدون عن قيود الوظيفة وهم الذين يدافعون عن المظلومين, ولا شك أن كلية الحقوق كانت على رأس الكليات المهمة والمؤثرة في تاريخ مصر السياسي, وكان ـ ولايزال ـ الزعماء والقادة والسياسيون وكبار رجال الدولة, من الذين درسوا القانون وتخرجوا في كليات الحقوق.

وفي أثناء دراسته بكلية الحقوق كانت الحياة السياسية مليئة بالأحداث الساخنة مابين الوفد والملك فؤاد, ودستور 23 والبرلمان والحياة الحزبية ونتائج الحرب العالمية الأولى وغيرها من أحداث, عاش فيها بكل كيانه, وكان كثير التردد على بيت الأمة, وهو المكان الذي كان يقيم فيه زعيم الوفد "سعد زغلول" في وسط القاهرة, وأدى به هذا الإنشغال, بالإضافة إلى زواجه وهو في الثانوية العامة وأعباء هذا الزواج, وأيضاً تصرفاته كشاب ورث ثروة كبيرة, حيث اشترى سيارة "رينو كابرولية" عام 1924, وكان من المعدودين في مصر الذين يمتلكون هذا النوع من السيارات في ذلك الوقت, واستمتاعه بحرية لم تكن متوفرة له من قبل, كل ذلك أدى إلى رسوبه أكثر من مرة, ثم تخرج في الكلية وحصل على درجة الليسانس في الحقوق عام 1931م, وكان من بين أساتذته في القانون المدني الفقيه المعروف د. عبد الرزاق السنهوري باشا.

وخرج "عمر" إلى الحياة العملية, وتدرب في مكتب أحد المحامين الأقباط في ميدان "العتبة الخضراء" بوسط القاهرة, يدعي "إبراهيم بك زكي" وكان قاضيا أحيل للمعاش فاشتغل بالمحاماة, ولم تكن هناك حساسية بين أبناء الوطن الواحد ـ مسلمين ومسيحيين ـ في التعامل, فها هو الشاب الذي نشأ في بيئة دينية, وقرأ عشرات الكتب في علوم الدين, واستمع إلى العلماء والفقهاء, لم يجد أي مشكلة في أن يتدرب على المحاماة لدى أحد المحامين الأقباط.

وبعد انتهاء التدريب افتتح له مكتباً في مدينة شبين القناطر, التي تتبعها قرية "نوى", التي نشأ وتربى فيها, ويقول عن تلك الفترة: "لم أكن محامياً نابغاً, كما لم أكن مغموراً, وكانت لي قضايا في كل محاكم القليوبية, كما كانت لي قضايا في كل جهات القطر حسب توفيق الله.. كانت أقصى قضاياي شمالاً محكمة طنطا (الغربية), وجنوباً محكمة طهطا (سوهاج), وآليت على نفسي ألا أخدع موكلاً, فإذا جاءتني قضية مدنية استمعت للمدعي أو للمدعى عليه, واطلعت على مستندات ووقائع القضية والشهود إذا لزم الأمر, فإذا مارجح لدى جانب كسب القضية قبلت التوكيل فيها ومباشرتها, وإلا نصحت صاحب القضية بالصلح مع خصمه". وهكذا سارت حياته المهنية بهدوء وتوفيق من الله.

كان طموحه أن يكون محامياً نظيفاً مهيأ للفوز بعز الدنيا وسعادة الآخرة, وماعرفت القسوة يوماً سبيلاً إلى خلقه, ولا الحرص في الانتصار على أحد, ولذلك لم يكن يرى له خصوما إلا في الدفاع عن الحق الذي يؤمن به.. كان يعيش حياته ويخطب الجمعة حيثما ذهب ولا يحرم نفسه من شئ أحله الله, وكان "بحبوحاً" يحب النكتة البريئة و"القفشة" الرقيقة, وزاده ذلك شعوراً بالسعادة.

انضمامه للإخوان المسلمين

يروي الأستاذ عمر قصة انضمامه للإخوان المسلمين ولقائه الأول بالإمام الشهيد حسن البنا فيقول في كتابه "ذكريات لا مذكرات": كانت صلتي بالإخوان المسلمين وعلاقتي بالإمام الشهيد وراءها قصة طريفة.. أول ما اتخذت لي مكتباً في "شبين القناطر", كنت أقيم في عزبة التلمساني, على بعد 11 كيلو مترا من شبين القناطر, وكنت أهوى تربية الدواجن من دجاج إلى حمام إلى أرانب, وكان أمام "السلاملك" الذي أعيش فيه حديقة زهور تقرب من القيراط مساحة (175م2) ومن خلفها "الحوش" الذي أربي فيه هذه الدواجن, وفي يوم جمعة من أوائل عام 1933م, كنت أجلس في حديقة الزهور, فجاءني خفير العزبة يقول: "فيه اثنين أفندية عايزين يقابلوك" فصرفت حرمي وأولادي وأذنت لهما بالمجئ.. وجاء شابان أحدهما: عزت محمد حسن, وكان معاون سلخانة بشبين القناطر (السلخانة: مكان مهيأ لذبح الحيوانات وإعداد اللحوم), والآخر: محمد عبد العال, وكان ناظر محطة قطار الدلتا في محاجر أبي زعبل (قليوبية), ومضت فترة الترحيب وشرب القهوة والشاي, وثمة فترة صمت قطعها معاون السلخانة قائلاً: ماذا تفعل هنا؟ فأثارني السؤال واعتبرته تدخلاً فيما لايعنيه, فقلت ساخراً: أربي كتاكيت!..