سطور من حياة الإمام المجدد "حسن البنا" ( 19 )

سطور من حياة الإمام المجدد

"حسن البنا" ( 19 )

بدر محمد بدر

[email protected]

ومن عجائب الأقدار أن يشارك فرع "جيبوتي" (إحدى دول جنوب شرق أفريقيا) في أول اجتماع لمجلس شورى الإخوان المسلمين, بعد قرابة الثلاث سنوات من النشاط, ليؤكد أن هذه الدعوة المباركة, وهي لا تزال في مرحلة الإسماعيلية, عاشت عالمية التنظيم, مثلما آمنت بعالمية الدعوة وشمولية الفكرة!

وكان من نتائج هذا المؤتمر العام الأول, تشكيل أول مكتب للإرشاد في تاريخ الجماعة, ويتكون من عشرة أعضاء, بالإضافة إلى المرشد العام وهم كالتالي:

1 ـ  فضيلة الأستاذ مصطفى محمد الطير ـ المدرس بالمعهد الأزهري.

2 ـ  فضيلة الشيخ عبد الحفيظ فرغلي ـ المدرس بالمعهد الأزهري.

3 ـ  فضيلة الأستاذ الشيخ حامد عسكرية ـ من علماء الأزهر الشريف.

4 ـ  فضيلة الأستاذ الشيخ عفيفي الشافعي عطوة ـ من علماء الأزهر الشريف.

5 ـ الأستاذ أحمد أفندي السكري ـ (عضواً منتدباً).

6 ـ الأستاذ خالد عبد اللطيف أفندي ـ (عضواً منتدباً).

7ـ الأستاذ محمد أفندي فتح الله درويش ـ بالقاهرة.

8 ـ الأستاذ عبد الرحمن أفندي الساعاتي ـ بالقاهرة.

9 ـ الأستاذ محمد أسعد الحكيم أفندي ـ بالقاهرة.

10ـ الأستاذ محمد أفندي حلمي نور الدين ـ بالقاهرة

وقد اختير الأستاذ محمد أسعد الحكيم سكرتيراً لمكتب الإرشاد, كما اختير الأستاذ محمد أفندي حلمي نور الدين أميناً لصندوق المكتب, والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي أفندي لإدارة شئون الجريدة.

ونتوقف هنا عند عدد من الملاحظات المهمة, أولها: أن أول تشكيل لمكتب الإرشاد في تاريخ الجماعة, ضم أربعة من الأقاليم وستة من القاهرة, بالرغم من أن انتشار الدعوة في الأقاليم كان أكبر (14 نائباً من 15), وربما يعود ذلك إلى رغبة المرشد العام وقيادات الدعوة في أن تكون القاهرة (العاصمة) هي نقطة الانطلاق بهذه الدعوة إلى مختلف أنحاء القطر المصري, والتي انطلقت منها معظم الحركات الوطنية والسياسية والدينية, وبالتالي كان القرار باتخاذ القاهرة مقراً رسمياً للدعوة ـ بعد ذلك بنحو عام ـ طبيعياً, وكذلك انتقال "حسن البنا" إليها.

وثانيها: أن أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد العشرة كانوا من علماء وشيوخ الأزهر الشريف, بما يؤكد أن الأزهر كان ـ منذ البداية ـ أحد أركان البنيان الدعوي, ومن أكبر مناصري الجماعة, ونلاحظ أيضاً أن ترتيب أسماء هؤلاء العلماء الأجلاء جاء في المقدمة, في تشكيل مكتب الإرشاد العام, وتلاهم "الأفندية"..

وثالثها : أن مكتب الإرشاد كلف الأستاذ عبد الرحمن أفندي الساعاتي ـ شقيق المرشد العام ـ بشئون الجريدة, وبما أن صحف الإخوان لم تكن قد صدرت بعد, بل صدرت بعد ذلك بنحو عامين كاملين, إذن فقد كان المؤتمر الأول للإخوان, ومكتب الإرشاد أداته التنفيذية, مشغولاً بالإعلام والصحافة إلى الدرجة التي يكلف فيها أحد أعضائه, بالمسئولية عن إدارة هذا الملف الإعلامي المؤثر.

ومن الواضح أن قضية التبشير (التنصير) والمبشرين, قد احتلت اهتماماً خاصاً في مناقشات ومداولات المؤتمر العام الأول للإخوان المسلمين, إلى الدرجة التي يقرر فيها المجتمعون "تكوين لجان فرعية في كل دوائر الجمعية (جمعية الإخوان) للعمل على تحذير الشعب من الوقوع في حبائل المبشرين, بالطرق السليمة المشروعة..".

ومن الوثائق التي تمخض عنها المؤتمر الأول بهذا الخصوص, العريضة التي رفعها إلى جلالة الملك فؤاد ـ ملك مصر في ذلك الوقت ـ وجاء فيها: "يتقدم أعضاء مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين.. إلى جلالتكم, راجين حماية شعبكم المخلص الأمين من عدوان المبشرين الصارخ على عقائده وأبنائه وفلذات كبده, بتكفيرهم وتشريدهم وإخفائهم وتزويجهم من غير أبناء دينهم, الأمر الذي حظره الإسلام وحرمه, وتوعد فاعليه أشد الوعيد.."، ".. لهذا لجأنا إلى سدتكم العلية, راجين أن يصدر أمر جلالتكم الكريم, إلى حكومتكم الموفقة, بالضرب على أيدي هذه الفئة, وإنقاذ الأمة من شرها, والوصول إلى هذه الغابة بكل وسيلة ممكنة.." وذكرت الوثيقة عدداً من الوسائل التي تراها كفيلة برأب الصدع وإنقاذ الأمة من أيدي المعتدين، ووقع على العريضة جميع المندوبين، وأرسلت إلى جلالة الملك وأصحاب المعالي رئيس الوزراء بالإنابة ووزراء: الداخلية والمعارف والأوقاف, ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشيوخ.

وتعتبر هذه "العريضة" أول اتصال وتفاعل بين "جمعية الإخوان المسلمين" وبين السلطات الرسمية الحكومية, وتؤكد العريضة كذلك أن غاية الإخوان ليست الإصلاح الجزئي أو المحلي, ولكنه الإصلاح العام وفي كل المجالات, وأنها لا تتهيب أن تخاطب ملك البلاد في أمر تراه شديد الأهمية, ولمصلحة الأمة بأسرها.. كما قامت فروع الجمعية ـ في تلك الفترة ـ بجهود كبيرة لمقاومة النشاط التنصيري, الذي استغل سوء الأوضاع الاقتصادية وبساطة الإنسان المصري, ليحاول تغيير عقيدته, وتبديل دينه, ولكن هيهات.

المؤتمر الثاني:

وبعد حوالي سبعة أشهر من تاريخ عقد المؤتمر العام الأول, استضافت مدينة "بورسعيد" الباسلة "المؤتمر العام الثاني للإخوان المسلمين" أو "اجتماع مجلس الشورى العام"، وذلك في اليوم الثاني من شهر شوال 1350هـ ، الموافق 10 من فبراير 1932 هـ ، وأغلب الظن أن المؤتمر العام الأول هو الذي تأخر انعقاده, لأن باقي المؤتمرات التي عقدت بعد ذلك كانت ـ عادة ـ تعقد في شهر ذي الحجة، وقد تم توجيه الدعوة إلى المؤتمر, إلى نواب ونقباء وسكرتيري الشُعب, وكذلك من صرح له بذلك من أعضاء مكتب الإرشاد العام, وقد نجح هذا المؤتمر, وكان أهم قراراته: تكوين شركة صغيرة, لإنشاء مطبعة للإخوان المسلمين, على أن يقسم رأس مالها إلى أسهم, قيمة كل سهم "عشرون قرشاً", وأعد مكتب الإرشاد العام, قانون ولائحة شركة المطبعة المساهمة, ووزعه على جميع الشُعب في أنحاء القطر المختلفة, وحدد مكتب الإرشاد شهراً تقريباً, كآخر موعد للاشتراك في هذه الشركة.. وخلص المؤتمر العام الثاني إلى أن "المطابع للجماعات التي تعمل لنشر فكرة عامة, هي الدعامة التي ترتكز عليها في أعمالها ونشر دعايتها..".

ويبدو أن ضيق الفترة الزمنية بين المؤتمرين: الأول والثاني, كان سبباً في اقتصار المؤتمر الثاني على متابعة تنفيذ توصيات المؤتمر الأول, بالإضافة إلى مناقشة إنشاء شركة مساهمة, تهدف إلى إقامة مطبعة قادرة على طباعة الصحف والمجلات، التي تفكر جمعية الإخوان في إصدارها ونشرها.