محمد صلى الله عليه وسلم النبي العظيم

النور الأخاذ والمغناطيس الجذاب

محمد أفقير (صهيب)

باحث في تاريخ الإسلام

كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ وجدة. المغرب

الحجرة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام / من الواجهة الأمامية

مع المصطفى نُطفة في صلب أبيه، وحملا لطيفا خفيفا، ومع المصطفى مولودا مباركا، وصبيا محفوظا وشابا أمينا، وزوجا رحيما عادلا, وصاحبا رؤوفا، وداعية إلى الله بإذنه، وقائدا عظيما ونبيا ورسولا. مع المصطفى في شمائله حيث تناسلت البشرية بالنبوة. واتصلت الأرض بالسماء.

 وفي كل ذلك كأنه خلق كما شاء.

 نطفة من نور: أمه آمنة بنت وهب خير نساء قريش, وأبوه عبد الله بن عبد المطلب, اشتهر بلقب "الذبيح" بعد حادث الفداء, هذا الحادث حرك قلوب أهل مكة تعلقا بالذي استسلم للذبح طائعا صابرا. فأنقذه رب الكعبة بأغلى فدية عرفها العرب. وهفت إليه قلوب أجمل نساء قريش وأشرفهن نسبا لما علا وجهه نور النبوة. عرضن أنفسهن عليه لما رأين ما في جبينه من النور فأعرض عنهن. وفي كتب السيرة والتاريخ: أنه مر بهن بعد أن تزوج آمنة بنت وهب، فانصرفن عنه زاهدات فيه ولم يعترضن طريقه، وبدا له أن يسألهن، فكان جواب ليلى العدوية: "مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء فدعوتك فأبيت، ودخلت على آمنة فذهبت بها. وقالت بنت نوفل: "فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس ـ لي ـ بك اليوم حاجة. وأجابت فاطمة بنت مر: "قد كان ذلك مرة فاليوم لا. والله ما أنا بصاحبه ريبة. ولكني رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون لي، فأبى الله (عزوجل) إلا أن يجعله حيث أراد"[1]. وجاء في الروض الأُنف أن فاطمة بنت مر" كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النّسَاءِ وَأَعَفّهِنّ وَكَانَتْ قَرَأَتْ نُورَ النّبُوّةِ فِي وَجْهِهِ فَدَعَتْهُ إلَى نِكَاحِهَا، فَأَبَى، فَلَمّا أَبَى قَالَتْ:

إنّي رَأَيْت مُخِْيلَةً[2] نَشَأَتْ ... فَتَلَأْلَأَتْ بِحَنَاتِمِ[3] الْقَطْرِ

فَملََأْتهَا نُورًا يُضِيءُ بِهِ ... مَا حَوْلَهُ كَإِضَاءَةِ الْفَجْرِ

وَرَأَيْت سُقْيَاهَا حَيَا بَلَدٍ ... وَقَعَتْ بِهِ وَعِمَارَةَ الْقَفْرِ

وَرَأَيْته شَرَفًا أَبُوءُ بِهِ ... مَا كُلّ قَادِحِ[4] زَنْدِهِ[5] يُورِي[6]

لِلّهِ مَا زُهْرِيّةٌ سَلَبَتْ ... مِنْك الّذِي اسْتَلَبَتْ وَمَا تَدْرِي

وَفِي غَرِيبِ ابْنِ قُتَيْبَةَ : أَنّ الّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ هِيَ لَيْلَى الْعَدَوِيّةُ"[7].

نور في صلب عبد الله بن عبد المطلب، أبى الله أن يجعله في سفاح.

حمل خفيف:

رأت آمنة ليلة عرسها. بأن شعاعا من النور يشع في كيانها أضاءت له الدنيا، وسمعت هاتفا يبشرها بأنها حملت بسيد البشر. فازت آمنة بالغرة وبالنور ولم تدع للنساء في عبد الله مأربا أو حاجة. لم يُفتد عبد الله من الذبح عبثا، ففي صلبه خير الخلق، ودوره في الحياة لما ينتهي بعد. أودع الدرة اليتيمة في أحشاء طاهرة, فلم تجد آمنة ما تجده النساء من الحمل, سبحان الله. وقضى عبد الله ـ رحمه الله تعالى ـ نحبه عند أخواله بني عدي بن النجار. بعد ستة أشهر من إيداع الأمانة الإلهية في رحم مباركة طيبة. أدى مهمته وقضى نحبه. وكل ميسر لما خلق له.

 رحل عبد الله عن دنيا آمنة ولم ترحل عنها العناية الربانية، لم تتخل عنها المبشرات والرؤى والهواتف، تؤنس وحشتها ووحدتها بعد رحيل عريسها، لطفا من الله ورحمة بكبدها. تنبئها بالمولود العظيم.

مولد مبارك:

 ولد في وقت السحر في 12ربيع الأول من عام الفيل، الموافق لـ 570م, بزع فجر ذلك اليوم، وبزع معه فجر الإسلام وتلته شمس الهداية ونور المحجة البيضاء. رأى الناس في مولده آيات عظيمة تؤرخ لميلاد عالم جديد، قبل مولده بخمسين يوما. سلط الله على أصحاب الفيل نقمته وولى الأحباش[8]. ليولد حبيب الله آمنا بجوار الحرم، كما أرادت أمه آمنة.

صبي تحت عين الله:

 كان يرعى الغنم مع إخوته من الرضاعة في بني سعد. ينمو ويترعرع تحت عين الله التي لا تنام، عناية ورعاية ربانية، ليس للشياطين عليه من سبيل. وكان عبد المطلب به رفيقا، لذلك فهو أقل أهل النار عذابا. وصدقت أمه آمنة رحمها الله حين قالت لحليمة السعدية: "وَاَللّهِ مَا لِلشّيْطَانِ عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ وَإِنّ لِبُنَيّ لَشَأْنًا"[9]

شاب محبوب:

 شب حبيب الله والمؤمنين على الخصال الحميدة والفضائل السنية. كان عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم، كما وصفه القرآن الكريم. وكان صلوات الله عليه وسلامه أحلم الناس، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس. آثره زيد بن حارثة على أبيه لما جاء يسترده. وكان قد جزع عليه جزعا شديدا، لما فقده حين جيء به إلى مكة بعد سبْيِه. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان ذلك قبل البعثة): "إن شئت أقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك، فقال أقيم عندك"[10]. لقد بَصُر زيد في محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يبصُره أبوه، حقا هو الأمين المحبوب كما كنته قريش.

زوج عادل رحيم وأب حنون:

 تزوج أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ولها أربعون سنة، وله خمسة وعشرون سنة، ولدت له من الذكور: القاسم وعبد الله والطاهر (الطيب)، ومن الإناث: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. أما ولده إبراهيم فأمه مارية القبطية، التي هداها إليه المُقوقس، ولد بالمدينة المنورة ومات قبل موت أبيه صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، في يوم كسفت الشمس.

عدد زوجاته إثني عشر زوجة:

1- السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها

2- السيدة سودة بنت زمعة رضى الله عنها

3- السيدة عائشة بنت أبى بكر رضى الله عنها

4- السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله عنها

5- السيدة زينب بنت خزيمة رضى الله عنها

6- السيدة أم سلمة ( هند بنت أمية ) رضى الله عنها

7- السيدة زينب بنت عمته رضى الله عنها

8- السيدة جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار رضى الله عنها

9- صفية بنت حُيى بن أخطب رضى الله عنها

10- أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان رضى الله عنها

11- مارية بنت شمعون القبطية رضى الله عنها

12- ميمونة بنت الحارث الهلالية رضى الله عنها

 أول زوجاته صلى الله عليه وسلم خديجة، وآخرهن ميمونة بين الحارث، تزوجها بمكة في عمرة القضاء بعد إحلاله، ليس فيهن بكر إلا أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها). أفضلهن خديجة وعائشة رضي الله عنهما. عدل بينهن أيما عدل، وذُقْن معه حلاوة الإيمان ودفئ الحب، وعشن معه أسعد الأيام، أحب أولاده، وتأثر بفَقدهم، كان يلاعبهم ويداعبهم ويقبلهم.

شمائله:

 من حيث الكمال الخُلقي فهو بالذروة التي لا تنال؛ أشد الناس حياء، يجيب دعوة العبد والحر، لا يغضب لنفسه، ويغضب لربه، لم يشبع من خبز بُر ثلاثا تباعا حتى لقي الله تعالى، إيثارا لا فقرا ولا بخلا، يمشي وحده بين يدي أعدائه بلا حارس، لا يَهُوله شيء من أمور الدنيا، يمزح ولا يقول إلا حقا، لا يهاب ملكا لملكه. يدعو الفقير والغني إلى الله دون تمييز. قد جمع الله له السيرة الفاضلة، والسياسة التامة. وحسبك أنه ساس القلوب الجافية, والنفوس العاتية والقبائل العادية، ولم يستخدم في سياسته عنفا. ولا إرهابا ولا سلاحا ولا سجنا ولا إغراء بمال أو منصب، إنما النور الطارق والعزم الصادق والإيمان الفياض, صاحب القلب الموصول بالله، مراقبة وذكرا ودعاء، وصلاة وعبادة وإحسانا. أرحب الناس صدرا وأحلمهم، يحلُم على من جهل عليه، يأخذ بالعفو في مواقع القوة (اذهبوا أنتم الطلقاء). في أسمى مراتب العفة، زاهد في الدنيا يضعها حيث وضعها الله (لعب ولهو)[11]. صادق اللهجة، لا تذهب به السياسة إلى المداهنة والكذب والخيانة، أعظم القادة وأعدل القضاة. يقسم بالله لو أن الطاهرة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سرقت، لقطع يدها. هو القدوة والأسوة، أعرف الناس بالله، شملت رحمته الإنسان والحيوان، جعلت قرة عينه في الصلاة، كان خلقه القرآن: كلام الله الذي جاء بعقيدة التوحيد، حرر الإنسان من كل عبودية لغير الله، رفع الأبصار من كلكل الأصنام إلى رحاب الملكوت، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، كلام الله الذي جاء بالقانون الكامل الشامل للفرد والمجتمع, والأمة والدولة، كلام الله المعجز، زاده رسول الله وضوحا وتفصيلا لما جعله "إنسانا يمشي على الأرض".

داعية إلى الله بإذنه وقائد عظيم:

 وأنت، إذا أنعمت النظر في الدعوة المحمدية، وجدت نبينا صلى الله عليه وسلم، ذلك النور الأخاذ والمغناطيس الجذاب تهفو إليه القلوب. وأما إذا نظرت إلى حكمته في سياسة الدولة وجدت القائد الأعظم والسياسي الأصدق، يستشير صحابته في كل صغيرة وكبيرة، إلا ما كان أمرا إلهيا. ويتنازل عن موقفه لمواقفهم. وهو أولى من يستغني برأيه عن مشاورة غيره. وأما من حيث التغيير الشامل الذي أحدثه في زمانه، فلك أن تنظر في أحوال عصره الذي كان يموج في ظلمات الجهل وأهوال الحروب، وستعلم أن حبيبك المصطفى منقذ البشرية، وهاديها إلى بر الأمان.

وفي الختام:

 إن العالم كله لن يجد العلاج لمشاكله إلا في الإسلام دين ربنا عزوجل، الذي سن سننا في الكون وفي الخلق، ويأبى الله إلا أن يسير الإنسان وفقها (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) الاحزاب:62. ، فلو أزيلت حجب المادة عن بصائر العباد، قادة العالم وحكامه، لأدركوا مجانبتهم للقانون الكوني، يعبثون فيه فيهلكون ويهلكون، فليس بين العالم والسعادة إلا إدراك هذه الحقيقة المبثوثة في شريعة الإسلام الشاملة لأمور الدنيا والآخرة. ولو فرضنا أن العباد اكتفوا بتطبيق الشريعة الإسلامية في شؤونهم الدنيوية، حتى ولو بدون اعتقاد وتصديق بمشرعها، لأدركوا خير الدنيا وملكوا ناصيتها وعاشوا في سلام. والعاقبة للمتقين.

 ولنا في سنة نبينا منهاج الفلاح. ولو أمكننا الإحاطة بهذا المنهاج وسبر معالمة واتباعه والالتزام به، لكنا مؤمنين حقا نفهم عن ربنا، ونحيط بمكنون القرآن الكريم. ولتحقق مراد نبينا فينا، ولحققنا غاية خلقنا.

                

[1] ـ انظر: دلائل النبوة للبيهقي. ج1ص/102 وابن سعد في طبقاته. ج1 ص85/ الطبري في تاريخه. ج2 ص174/. (بتصرف)

ـ مخيلة: سحابة,[2]

ـ حناتم: سحائب سود.[3]

[4] ـ القادحُ الصَّدْعُ في العُود والسَّوادُ الذي يظهر في الأَسنان./ لسان العرب. ج2 ص554.

[5] ـ الزَّنْدُ والزَّنْدَةُ خشبتان يستقدح بهما فالسفلى زَنْدَةٌ والأَعلى زَنْدٌ/ لسان العرب. ج3ص136.

[6] ـ وَرَتِ النارُ تَرِي وَرْياً ورِيةً, وَوَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي وَوَرَى اتَّقَد قال الشاعر وَجَدْنا زَنْدَ جَدِّهمِ ورِيّاً وزَنْدَ بني هَوازِنَ غَيرَ وارِي/. لسان العرب. ج15 ص386

[7] ـ الروض الأنف للسهيلي.ج1ص273.

[8] ـ عيون الأثر. ج1 ص39 . بتصرف.

[9] ـ الروض الأنف للسهيلي. ج1 ص288.

ـ عيون الأثر لابن الأثير. ج1ص126.[10]

32 الأنعام: -[11]