الشيخ نوح القضاة

من المحبة إلى الرحمة

الشيخ نوح القضاة رحمه الله

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

لم تكن شخصية الشيخ الجليل والعالم الكبير شخصية عادية حتى يكون رحيله رحيلا عاديا ، إذ كان كبيرا حيث كان ، عالما ومعلما ، قاضيا ومفتيا ،  صالحا ومصلحا ، كان الأعلى في كل شيء ، والأدنى إلى كل قلب ،ساس الأمور بكل حكمة ولم يسيس ، قال قولته ولم يخش فيها لومة لائم ، جال وصال وقال ، فما جامل ولا هادن ، كلمته موقف ولم تغير المواقف كلمته ومبدأه ،   حازم وحاسم ،  وسيم مرتفع القامة والهامة  لا يحنيها إلا  لله ، له مهابة ودماثة، له ابتسامة المؤمنين وغضبتهم ،  هو من الأرواح المجندة التي تأتلف بها ولها النفوس المؤمنة .

كان وطنيا بامتياز حيث كان ،   مدنيا وعسكريا ، علمه قاده إلى المواقع  والمراتب  ، كان سفيرا بإنسانيته وخلقه وعلمه ، كان وجها أردنيا دالا على  الأصالة والرصانة والطيبة  والحكمة ،  غير  وبدل ، وما تغير وما تبدل ، دستوره قرآن كريم وسنة مطهرة ، فتواه لا تأخذها هفوة ،ولا زلة لسان ، لا يغيرها مكان ولا زمان ولا إنسان ، متمكن من علمه ، وعمله موافق لعلمه  ،أرضى الله في كل مسألة،لم يبال بغضب أو عتب ، فرحل راضيا مرضيا ،  عرفته المجالس والمدارس والجامعات  حكيما إن قال ، بليغا إن صمت ،كان مع الناس حيث كانوا ، شاركهم أفراحهم وأتراحهم، قريبا  متواضعا منهم فرفعه الناس ، نبكيه اليوم وما عرفنا منه  أو عنه إلا كل خير  ، نودع فيه  ما نفتقد إليه من صفات وخصال ، نعزي أنفسنا بأن نلقاه حيثما التقينا بآثاره ،ما مات الشيخ نوح  وقد ترك  صدقات جارية هنا وهناك، ما ذكرها في حياته ، بل سيذكرها أصحابها بعد وفاته  ، ما مات وقد ترك  ذرية صالحة من نسله ومن أتباعه يدعون  له ،  ما مات وقد ترك علما يروى ويذكر ،  وقد ترك نهجا  قويما، واستن سنة حميدة هنا أو هناك ، ما مات و هو الحي بأثره وآثاره والتغني بخصاله ، ما مات  وقد ترك أبناء كراما بررة علماء يسيرون على خطى أبيهم  ، هنيئا لشيخنا ما قدم ، هنيئا له  التقاء الناس على  محبته ، ودعاؤنا أن تكون رحلته هذه من محبة الناس إلى رحمة ربِّ الناس .

 إن نظرة تأملية في سيرة هذا العالم الجليل  ومسيرته وجنازته المهيبة تجعلنا نقف متسائلين  لماذا لا نعرف كبارنا إلا عندما يرحلون ؟؟!! ولا نكرمهم إلا بالعبرات والعبارات !!!

ولتكن رحلته ورحيله عبرة لمن أراد أن يكون من الخالدين !!!