عياش.. حكاية متجددة

في الذكرى الثانية عشر لاستشهاده:

عياش.. حكاية متجددة

الشهيد المهندس يحيى عيّاش

لمى خاطر

يا زهورَ الدم المتيَّم عشقًا والمتنفس صبحًا وشهادةً.. أَسرجي لفارسك القنديل بالرحيق.. واستقبلي إطلالته بألق الفجر الذي رحلَ عنه، وما اشتفى من تنسّمِ عبيره المضمّخ بتكبيراتِ الذاهبين إلى الميدان.

يا فيافي المراحلِ القاحلة.. أطلي على عهدِ عياش القسام.. اربطي جرحك بأحزمة التفجير.. دثريه بمراهم البارود ترصع سماء فلسطين بالنيازك.. وتتفتح من أكمامها أقمار بعمر الورد تنتظم في قلادةِ دريَّة تطوق جِيد الوطن؛ ليحفظ للاستشهاديين إرثَهم البهيَّ ولمهندسي عمليات العزِّ بيعتَهم الأولى..

أيها العيَّاش الذي ما فتئ يحيا في أعمار القادمين..

يا وجه ثورتنا المفعم بالشموخ..

يا صوت الثائرين يهتف للرجال المزنرين بدين الوفاء للراحلين..

أيها الممتد في دمنا مشاهد فخار تؤرق المحتلّ أينما حلّ..

أيها الواقف أبدًا على مشارف العزائم المتقدة.. تستمطر من سيرتك حافز الصعود، وتستلهم منها براعة التخطيط..

لكأنها غزة اليوم تعود لاحتضانِ أشلائك التي توسَّدْت ترابها الطهور قبل أحد عشر سنة، لكأنها تستعير عينيك النابضتين أملاً بالفجر لتطل بهما على زمن غدا للقسام فيه جيش ذو بأس ومنعة، تحرسه زنود آلاف الرجال ويرتقي به إصرار عشرات المهندسين يكملون من بعدك المسير..

لكأنه الرنتيسي يخرج من جديد ليردد ومعه جموع الغاضبين (عياش حيٌّ لا تقل عياش مات).

لكأنها رافات.. هذه القرية الوادعة التي حُفرت في ذاكرة الوجد الفلسطيني.. لكأنها بتلالها وسهولها وسكونها البديع تعود لتستقبل وفود التهنئة والبيعة، ويخرج صغارها الذين كبروا وفي قلوبهم حكايات العياش لينثروا الحنّون على أطراف حاكورة الدار التي ما زال سهاد الفراق يؤرق ليلها، فتسّاقط منها العبرات ندى يطرز أوراق السوسن والنعناع.

إثنا عشرة سنة مضين يا أبا البراء، ولا زلت فارسَ المقاومة الأول ونجم المراحل كلها بلا منازع.. لا زال دمك يانعًا يُطارد القاتلين ومَن اغتالوا الصباح وأجهضوا استعار البنادق.. مضى عياش.. وعاش إرثه السامق، ظلَّ دمه يرشح في عروقِ الطالعين من شقوقِ الجرح ومساحات الوجع اليومي..

صار اسمه رايةً مصبوغةً بالكبرياء يتسابق الفدائيون لحملها.. يلوحون بها في مسيرة الزحف الأخضر السائر نحو الانتصار واثق الخطى محجَّل الجبين.. يُعلن أنَّ الفداء قدرُ المرابطين وأنَّ الدم زاد الطريق وبوابة المعراج صوب نهار الانعتاق.

ماضون نحن يا أبا البراء، فلن نكون يومًا من المتعثِّرين بأشواكِ الدرب أو المتساقطين حين يدهمنا ظمأ المسير الصعب.. فغاياتنا عالية.. ومرامينا بعيدة لا يقزِّمها التقادم ولا تنكِّسها المحن..

سلامٌ عليك..

على مَن قلَّدوك الحسامَ وسمَّوكَ يحيى..

ومن أرضعتك الإباءَ وعشقَ الشهادة..

فنهجك يحيا ويعلو..

ويسقط من دونه اليائسون..