الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر

فقيد اليمن والأمة

الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر

د/ طارق أبو جابر

حدثوني عن الرجال حديثا     أو صفوهم ..فقد نسيت الرجال

 يحار المرء من أين يبدأ عند الحديث عن علم من أعلام الأمة وعظمائها، كالشيخ (عبد الله بن حسين الأحمر) ... ويحار المرء : بما ذا يصفه ؟! هل يكفي أن يقول : إنه كان إنسانا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني الكرم والنبل والمروءة والشهامة ؟!هل يكفي أن يقول : إنه كان رجلا ، بكل ما للرجولة من مقتضيات الشجاعة والتضحية والإقدام والفداء ... هل يكفي أن يقول : إنه كان حكيما، وكانت الحكمة تنبع من قلبه الكبير وعقله الرزين وتتدفق حلما ورقة وحنانا وإشفاقا... لقد صدق فقيه اليمن وعالمها القاضي الجليل (محمد بن إسماعيل العمراني )، عندما عناه بقول الشاعر :

وليس على الله بمستنكر     أن يجمع العالم في واحد

فقد كان امة في رجل ؛ الحكيم بين الحكماء ، العاقل بين العقلاء ، المناضل بين المناضلين ، المنافح بين المنافحين ، الغيور بين الغيارى، الحر بين الأحرار،الباذل بين الباذلين ، لم يدع إلى خير إلا أجاب ، وكان له سهم في كل باب من أبواب الخير، وإذا اشتدت الأمور لجأ الناس إليه ،وإذا اشتدت الأزمات فزع الناس إلى رأيه وموقفه... كما وصفه رفيق دربه وكفاحه وجهاده فضيلة الشيخ (عبد المجيد الزنداني ) ؟!

عليه شآبيب الرحمة والرضوان ، ماذا يقول المرء برجل أجمع الناس كبارا وصغارا، رجالا ونساء ، حكاما ومحكومين ،على مكانته وفضله وعظمته...

عرفه الأحرار عندما ثاروا على الظلم والقهر والاستبداد ...حرا أبيا ثائرا ؛ فشدوا به أزرهم ، وأسندوا إليه ظهرهم ، وذللوا به دربهم ،ودفع ضريبة الحرية والكرامة من أهله، فقضى والده وشقيقه المناضلان شهيدين على أيدي الطغاة المستبدين ، وقضى في سجونهم سنوات من زهرة عمره وشبابه..وبقي طوال حياته سندا للمقهورين والمضطهدين والمظلومين .

 وعرفته اليمن يحمل هموم أهله- وكل اليمن أهله - وشعبه في الحياة الحرة الكريمة،كما يحمل آمالهم وطموحاتهم، ولقد رأيته يوم إعلان الوحدة اليمنية يكاد يطير من الفرحة بتحقيق هذا الحلم الذي طالما راوده وغيره من الأحرار المخلصين ،وعندما بدأت تلوح في الأفق بوادر التراجع عن الوحدة ، وتداعى أهل اليمن ملبين دعوة العالم الرباني الشيخ (عبد المجيد الزنداني) إلى (مؤتمر الوحدة والسلام)

اعتلى الشيخ عبد الله المنبر وأعلن بأن الانفصال هو فصل الروح عن الجسد وهذا لن يكون!وبقي غاديا رائحا ساعيا يحاول أن يجنب اليمن فتنة ماكان لها أن تكون لو نزلوا لحكم الشيخ عبد الله وحكمته .

 عرفته القدس وفلسطين ، مؤازرا ومناصرا وداعما ...ما تنادى الناس من أجل فلسطين إلا رأيته في مقدمتهم يتهادى بطلعته البهية ، وهيبته السنية ، فيعتلي المنابر حاثا الناس ومحمسا على البذل لفلسطين ، فيكون في أول الباذلين ، فلاعجب أن يبكيه أهل فلسطين بعد أن فقدوا بفقده سندا ومناصرا، في وقت عــّز فـيه المناصر والمعين.

 ومن كان يتابع إدارته لجلسات مجلس النواب ، يجد الحكمة تجري على يديه، ويرى أستاذا في الشورى يتمثل نهج الحبيب المصطفى في الإصغاء والاستماع والحوار والاحترام والاختلاف ...ما أمتعها من جلسات ، وما أروعه من أستاذ !!

 وإذا شئت أن تزوره في منزله ، وتطرح عليه هما أعيا صاحبه،وأمرا عظمت محنته ،وسبيلا سدت منافذه ...قابلك بابتسامته الساخرة من هذا الأمر الذي عظم ، والهم الذي أعـيا ،والسبيل الذي سدّ...مطمئنا ومهونا : ( سهل سهل...يوفق الله ، يعين الله ، يهيئ الله ...ارتاح اطمئن.. إنشاء الله ما يكون إلا خير..) فتخرج من عنده طارحا همومك ليحملها عنك أو معك ، ثم يكون الخير الذي وعدك به على ما تحب وتشتهي !!

 سألت إنسانا بسيطا من أهلي : هل أحزنك رحيل الشيخ عبد الله ؟ قال : حزنت عليه وفرحت له، حزنت عليه لأن رجلا من أهل الخير والفضل رحل عنا ، وفرحت له، لأنه سيفرح بما سيلقى عند ربه الكريم الرحيم ...قلت : وأنا أحسبه كذلك ...اللهم ارحم( الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر) وأكرم وفادته،وأحسن نزله،واحشره مع الأنبياء والشهداء والصالحين ،وعوض اليمن بفقده من ينهض بما كان ينهض به اللهم واجزه عنا خيرا- نحن الذين أقال لنا، في غربتنا، عثرة وعثرات ،وفرج لنا كربة وكربات – اللهم وسائر أهل الأمر والفضل الكرام ..اللهم آمين!!