في وداع الراحلين، العالم العامل الداعية المربي محمد علي مشعل في ذمة الله ..

الرجل الذي عرفناه قبل أن نلتقيه

 clip_image002_50e7e.jpg

لقي وجه ربه في مدينة الرياض ليلة السادس عشر من شوال، العالم العامل الداعية المربي الشيخ ( محمد علي مشعل ) رحمه الله . والشيخ محمد علي رحمه الله تعالى عالم من علماء الشام ، ورمز من رموز جماعة الإخوان المسلمين .الداعين إلى الحق بالحق ..

ولد الشيخ الفقيد في مدينة حمص ، مدينة ابن الوليد سنة 1924 ، وظل قائما بحق الدعوة فيها لا يفتر ولا يمل ولا يضعف ولا يكل ، حتى أخرج من وطنه سنة 1979 .

 دخل الشيخ رحمه الله تعالى السجن أكثر من مرة ، كان منها السجن الممهد لخيانة السابعة والستين ، حين قامت طغمة الشر بسجن وجوه المجتمع السوري من العلماء والوجهاء ورجال الفكر والسياسة . فزجوا بالجميع في سجن تدمر ، وكان الشيخ محمد علي رحمه الله مع تلك النخبة الطيبة من أبناء المجتمع السوري .

ودخل الشيخ رحمه الله تعالى السجن مرة أخرى في غمار المعركة التي خاضها الشعب السوري ضد حافظ الأسد ودستوره الهزيل .

لم يليّن السجن للشيخ محمد علي رحمه قناة ، ولم تهن له عزيمة بل ظل في حياته كلها ، قوالا للحق صادعا به يتحمل مسئولية الموقف والكلمة بصدق وعزيمة عُرف بهما عند الخاص والعام .

وكان الشيخ محمد علي رحمه الله تعالى خطيبا يهز المنبر في مدينته حمص وبلدته ( تل دو ) التي نشأ بها . كما كان متحدثا لبقا رفيقا ودودا، وداعية مشفقا على الخلق محبا للناس ، كل الناس قريبا من قلوبهم وأرواحهم .

 خرج ، الشيخ رحمه الله تعالى ، بالدعوة الإسلامية من محيطها المجتمعي التهذيبي والتوجيهية ، فانطلق إلى القرى المصاقبة لمنطقته، فاختلط بالمواطنين من النصيريين ، فدعا وعلم وأرشد فكانت له تجربته الرائدة والمميزة . التي طالما قوّمها تقويما إيجابيا ، كان يتحدث عن هذه التجربة حديث المرشد الناصح : اقتربوا من قلوب الناس وخاطبوا عقولهم فركام الجهل لا يثبت أمام نور العلم . فعاد إلى الإسلام الصحيح بدعوة الشيخ رحمه الله تعالى أكثر من قرية نصيرية ، وحسن الإسلام وطاب الغراس فرحم الله الشيخ الداعية وأحسن مثوبته .

ومثّل الشيخ رحمه الله مدينته حمص في مجلس النواب ، يوم كان في سورية مجلس نواب حقيق . وكان مما سمعته منه أنه قال : ودخلنا المجلس ، وكان النواب مدّعو الاشتراكية يحضّرون مشروع قرار لتعزيز مكاسب النائب الفردية من رواتب وتعويضات . حين طلب الشيخ رحمه الله تعالى الكلام ، ووقف على المنبر فقال لم نأت إلى هنا لنبحث عن مكاسب ، جئنا إلى هنا للدفاع عن مصالح المستضعفين والفقراء والعمال ، وطالب بتخفيض مخصصات النواب ، والاتجاه إلى سن تشريعات تنصف الفئات المغموطة من السوريين. من حديثه لي منذ عقود : ومع أن طرحي كان من نبع ما نؤمن به من تعاليم ديننا الحنيف ، ولكنه جاء صاعقا لأدعياء الاشتراكية من البكداشيين والحوارنيين والبعثيين . ومرة أخرى رحم الله الشيخ محمد علي ، ولا أدري لماذا لا تسجل هذه الذكريات من رجال الدعوة والفكر ، وأجدني الآن أتذكر حديثا عابرا عمره عقدين من الزمان . 

ورحم الله الشيخ محمد علي ولا شك أننا نتذكره كلما اضطرنا المقام إلى البحث عن رجل رباني يجمع بين القلوب ، ويستل منها أحيانا بعض ما تنزغ الشياطين ، فلا أحد أقدر من الشيخ أبي أسامة رحمه الله على غسل القلوب بالدموع ، فهو حين يفتح سفر الأخوة بين الإخوان يبكي ويُبكي من حوله بصدق المقال ، ولوعة المحب المشفق ، حتى عندما يخاطب المخطئين والعصاة يخاطبهم خطاب داعية مشفق وليس خطاب مستعل مقرع ..

ورحم الله الشيخ محمد علي ، كان عالما وفقيها ومربيا ومجاهدا صادقا ، كان مجاهدا بصدق وفقه مؤديا كما قال ابن عمر رضي الله عنه للشروط (( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )) كان رحمه الله تعالى إذا سمع أهل الأهواء ، يتجارون في أهوائهم ، وما تزينه لهم أنفسهم فيمجد بعضهم بعضا ويثني بعضهم على بعض ، يعرض أو يغضي ، ثم لا يمنعه أدبه وخلقه وترفعه أن يسجل شهادته الحق فيما يسمع ويرى .

لدورات ودورات ظل الشيخ محمد علي رحمه الله تعالى عضوا في مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين . ورمزا من رموزها ، وموضع الثقة والتقدير والرجاء والأسوة والحب من إخوانه في مدينته حمص وفي غيرها . في حلب ومنذ ستينات القرن الماضي عرفنا الشيخ محمد علي قبل أن نلتقيه ، وتفيأنا ظلال علمه وفقهه وثباته وصوته الصادع بالحق والداعي إليه بالحق ..

رحم الله الشيخ محمد علي ، وتقبل منه جهده وجهاده ، ورفعه في عليين مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..

اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله ..

وأحر مشاعر العزاء والمساواة لأنجال الفقيد وأصهاره وأسرته وأهل خاصته وإخوانه ومحبيه ..

اللهم عوض الشام في علمائها وفي شهدائها خيرا , وإنا لله وإنا إليه راجعون ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 678