الشهيد الشيخ الدكتور ممدوح جولحة

هناك على الشريط الساحلي وفي (برج الإسلام) إحدى القرى التركمانية ولد الشهيد ممدوح جولحة رجل العلم في اللاذقية، الرجل الذي بدأ حياته وأنهاها في ظل الإسلام ورحابه.

بدأ الأخ الشهيد حياته في صفوف الإخوان المسلمين عالماً عاملاً مخلصاً يسعى جاهداً مع إخوانه لإزالة ركام الجاهلية عن أعين الناس، ورأى أن ذلك لا يكون إلا بالتسلح بالعلم النافع والعمل الجاد الدؤوب، فالتحق بالأزهر لمتابعة دراسته الشرعية، وهناك التقى عدداً من شخصيات الجماعة، وحاز على الإجازة بدرجة (جيد جداً)، ثم عاد إلى اللاذقية ليبدأ حياته الدعوية، وكان كما قال الجنيد رحمه الله (حال رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل).

فألقى عدة دروس في المساجد كانت من أروع الدروس تأثيراً في الناس ولكن الطغمة الحاكمة رأت فيه خطراً عليها فسارعت إلى منعه، فعاد إلى الثانويات ينفخ في أبنائها وبناتها من روحه الطاهرة، وفكره النيّر، ويغرس فيهم النبتة الإيمانية التي سرعان ما آتت أكلها وأينعت ثمارها، بيد أن خفافيش الظلام وعشاق الدجى غاظهم تدفق النور وانبلاج الضياء فسجنوه مرات، وأذاقوه العذاب ألواناً، فكان يخرج كل مرة أشد مضاء وأقوى شكيمة، بل إنه كان يغتنم فرصة وجوده في المعتقل فيعلم المسجونين هناك. والمسلم حيث كان خير وبركة على من حوله.

حاز الشهيد على درجة الدكتوراه عام 1975م بدرجة ممتازة، فكان من حقه أن يدرس في الجامعة، إلا أن السلطة الباغية أصرت على بقائه مدرساً في الثانويات.

وعاش الشهيد رحمه الله حياته الأخيرة يعب من مكتبته الفريدة علماً ينفحه عطراً على الشباب المؤمن، وناراً مسلطة على رؤوس الظالمين، ولم يخف في الله لومة لائم، مع كل ما كان يعاني من مضايقات الباغين له حيث كان، يستقبل يومياً ثلاثة أنواع من كلابهم في المخابرات العامة والشعبة السياسية والمخابرات العسكرية يحصون عليه تحركاته وسكناته، ثم أكملوا جرائمهم بحقه، حينما سرحوه في حزيران من سلك التعليم.

كان الشهيد جريء القلب شجاعاً فقد اشتهر بمواقفه الصلبة الصائبة في المؤتمرات الإسلامية التي شارك فيها خارج القطر حيث كان يمثل صوت الإسلام الحر المفكر كما اغتنم منذ شهرين خُلُوَّ أحد المنابر فاعتلاه – وهو ممنوع من الخطبة – وتكلم بصراحة عن إخواننا المجاهدين في أفغانستان وعن الهجمة الشرسة الشيوعية التي تحاول اغتيال ذلك البلد المسلم وتهجم مباشرة على الدول العربية التي تساند قوات الشيوعية هناك.

عرف الشهيد بمساهماته العلمية القيمة في حقول الفقه المتعددة، فصدرت له عدة كتب في موضوعات فكرية مختلفة وفقهية.

ويشاء المولى تعالى أن يلحقه بركب الشهداء والصالحين، وأن يرفعه إلى عليين، فقد داهمت عناصر المخابرات بيته في السابع والعشرين من حزيران 1980م وفي اليوم التالي وجدت جثته الطاهرة مرمية على الأرض في منطقة (صنوبر جبلة) التي تبعد عن اللاذقية خمسة عشر كيلو متراً..

يا لهم من حمقى أغبياء..

منحوه حين أردوه شهيداً.. ألف عمر وشباباً وخلودا.. وجمالاً ونقاء..

رحمك الله أيها الشهيد ورحم إخوانك الأبرار، إن دماءكم لن تضيع هدراً ولن تذهب رخيصة، بل ستكون الوقود الذي يحرق (المجرمين الأسديين) ومن والاهم.

وإن غداً لناظره قريب.. والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين...

وسوم: العدد 679