الحياة في ظلال القرآن - سيد قطب

clip_image001_5784b.jpg

صاحب هذه الكلمات الوضيئات، هو صاحب التفسير البديع: (في ظلال القرآن)، فسر فيه القرآن العظيم تفسيراً جديداً غير مسبوق وغير ملحوق، والله أعلم، وكان فيه صاحب مدرسة جديدة في التفسير، نستطيع أن نطلق عليها اسم (مدرسة التفسير الحركي)، لما أضافه من معانٍ وأفكار حركية وتربوية، وسياسية، واجتماعية، بل يطيب لي أن أقول: إنها (مدرسة الحياة في ظلال القرآن)

فهو – في رأيي – أعظم كتاب دعوي بعد كتاب الله تعالى، وسنة نبيه العظيم (عليه أفضل الصلاة والتسليم) يضع المسلم في معترك الحياة بمجاليها كافة، فيحيا في رحاب الإسلام حياة روحية شجية، وحياة عقلية سنية، فيكون ابن زمانه، يعرفه معرفة حقيقية، وهو مستقيم على صراط الإسلام وفسطاط المسلمين، لا يتجاذبه يمين ولا يسار.

قرأت عدداً من كتب التفسير، وأفدت منها الكثير، ولكنها لم تجعلني أحيا في رحاب القرآن الكريم، ولم تمكني من تفيؤ ظلاله الوارفة، كما كان لي مع الظلال، الذي فهمت منه معنى (القرآن دستورنا).

قبل أن يخط صاحب الظلال كلمة منه، كان قد بلغ الذروة في الأدب والنقد، ووضع نظرية في النقد الأدبي أطلق عليها (نظرية الصور والظلال في النقد الأدبي)، ثم (المنهج النفسي)، ثم بشر بنظرية (مذهب الإسلامية) في الأدب، منه كان المنطلق، ثم جاء من بعده شقيقه الأستاذ المبدع المفكر الأديب الكبير محمد قطب، شارح فكر سيد، وقعَّد لنظرية الأدب الإسلامي، والإسلامية في الأدب، ثم جاء من بعده نقاد وأدباء ومفكرون كالدكتور نجيب الكيلاني وسواه، وبهذا يكون الأستاذ الشهيد سيد هو الرائد المبشر بالإسلامية، وأخوه الأستاذ محمد، رحمه الله تعالى، ومَنْ بعده هم المؤصلون لهذا المذهب الأدبي الذي ذاع صيته في الآفاق وتكاثر الأدباء والشعراء المنتمون إليه.

في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي، اتجه سيد إلى الإسلام، وغدا أبرز رواد الفكر الإسلامي في خمسينياته، بعد أن دعا إلى بعث إسلامي طليعي وإلى استئناف الحياة الإسلامية على أسس الإسلام وتعاليمه كافة.

كما دعا إلى العزلة الشعورية المتعلقة بإحساس المسلم ومشاعره، لا العزلة الحسية، وهذه العزلة الشعورية تنشأ تلقائياً في حس المسلم الملتزم تجاه من لا يلتزمون بأوامر الإسلام، في حدود ما أحل الله من حلال، وما حرم من حرام، وسيد – وبهذا وغيره – لم يصدر أحكاماً شرعية على الناس، ولم يقبل بتكفير المسلمين، شعاره في ذلك نحن دعاة ولسنا قضاة، يقول سيد: "إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس، ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله، لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي، وهو التحاكم إلى شريعة الله". هذا هو سيد قطب، والعودة إلى كتبه: في ظلال القرآن، ومعالم في الطريق، وخصائص التصور الإسلامي خاصة، ومقومات التصور الإسلامي، تظهر مدى الإفك الذي رماه به الأفاكون المفترون من أعداء الإسلام، وأعداء الدعاة إليه، ومن الجهلة والمغرضين الذين يزعمون أنهم المسلمون، وهم لا يفهمون من الإسلام ما يؤهلهم لهذا الادعاء..

ولو قرؤوا كتب سيد بعقول نقية، وقلوب صافية، لعرفوا سيداً على حقيقته التي دفعت الطغاة إلى قتله، كما قتلوا إمامه الشهيد من قبل، وكما قتلوا عدداً من الأئمة والقادة من قبل ومن بعد..

إنني أدعو كل من يريد أن يفهم كتاب الله العزيز، ويحيا في ظلاله الوارفة، وفي أفيائه وجنانه..

أدعوهم إلى قراءة الظلال، قراءة الدارس المتريث اليقظان، وليس القارئ العجلان، وهذه المقدمة التي أتشرف بتقديمها (الحياة في ظلال القرآن) خير دليل وأكبر برهان على صحة ما أقول، - فهي الحياة في ظلال القرآن – فاتحة الظلال.

إنها والظلال، فوق الشعر وفوق النثر.

إنها إلهامات من وحي كتاب الله الذي عاش سيد في رحابه، وتماهى به، فكتب ما لم تكتبه يد من قبل.

وأدعو الآباء والنقاد والمثقفين إلى العكوف على الظلال، فسوف ينهلون منه ويعبون من رحيقه المختوم، ومن معينه الصافي، ما لا يجدونه في سواه.

إن أرادوا فهم القرآن العظيم، كما فهمه وعبر عنه سيد، وإن أرادوا منه أدباً رفيعاً فهيهات أن يجدوه عند غير سيد.

وإن أرادوا ثقافة، شاملة، عميقة..

وإن أرادوا مثل هذ الكتاب الجليل، صفاء لغة، وجمال أسلوب، وروعة معانٍ، وكثافة أفكار، وعمق تفكير...

إلى جانب صدقه وإخلاصه وشفافيته الروحية. وليجربوا، فسوف يقعون على كنز ثمين، وسوف يحمدون فعل الداعية الكبير الشيخ عبد الله العقيل على اختيار مقدمة الظلال هذه، دعوة منه، لنحيا في ظلال القرآن العظيم.

وسوم: العدد 824