أيّتها الأمّة الغنية.. احتفلي بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم

أنا الآن في صفحة 21 من كتاب "الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام حول مولده عليه الصّلاة والسّلام"، جمع وترتيب السّيد محمّد بن علوي المالكي الحسني (1944-2004)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1426هـ - 2005، من 328 صفحة.

استوقفتني ملاحظة لم يقف عندها العالم الفقيه محمّد بن علوي المالكي رحمة الله عليه ورضوان الله عليه لكن ذكر الحادثة دفع القارئ المتتبّع إلى خطّ هذه الأسطر:

1.   سئل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن صيام الاثنين فأجاب : ذاك يوم ولدت فيه.

2.   البعض يرى أنّه لا يجب غير صيام يوم الاثنين. وما يجب قوله في هذا المقام أنّ الصيام من السنن المحمودة والدالة على حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمن أراد ذلك هذا من جهة.

3.   من جهة ثانية أطرح السؤال التّالي: لماذا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يحتفل بمولده الكريم بإطعام الطعام والتّوسعة على العيال وإقامة جلسات الذكر والندوات العلمية التي تحثّ على حبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وغيرها من مظاهر الفرح وحبّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما تفعل الأمّة الآن وكما كانت تفعل منذ قرون عديدة خلت؟.

4.   الإجابة على السؤال تكمن في كون كان هناك فقر مدقع يضرب المسلمين جميعا وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي كان يضع الحجر على بطنه من شدّة الجوع. وذكرت سيّدتنا أمّنا عائشة رحمة الله عليها ورضوان الله عليها أنّه كان يمرّ الشهر والشهرين والثلاث ولا توقد النّار في بيت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كناية عن انعدام الأكل والفقر. ولقي الله تعالى ودرعه صلى الله عليه وسلّم مرهون لدى يهودي من شدّة الفقر. وقد عانى أسيادنا الصحابة رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم الفقر والحاجة في المأكل والمشرب والملبس والمركب.

5.   وفي مثل هذا الوضع من الفقر والحاجة لا يعقل أن يحتفل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمولده الشريف بالطعام والشراب والجوائز والندوات والضيافة والتوسعة على العيال ولا يعقل بحال أن يطلب من أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا أن يحتفلوا بمولده الشريف بالطعام والشراب والجوائز والندوات والضيافة والتوسعة على العيال وهم الفقراء و المحتاجون لأبسط حقوق الإنسان.

6.   سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم رحيم بأصحابه وأمّته فاكتفى بالصيام كالاحتفال بمولده الكريم ولم يرهق أصحابه يومها بالطعام والشراب والجوائز والندوات والضيافة والتوسعة على العيال لأنّه يعلم جيّدا أنّهم فقراء محتاجون يكفيهم في تلك الظروف الصيام في انتظار أن تتحسّن أحوالهم.

7.   الآن وقد أصبحت الأمة غنية ميسورة الحال على العموم يمكنها أن تحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ودون حرج بما رزقها الله تعالى من نعم عديدة وأرزاق كثيرة بالطعام والشراب وجوائز وندوات وتوسعة على العيال وما تراه يفي بعظمة مولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالإضافة إلى صوم يوم الاثنين طيلة العام إذا رأت في نفسها القدرة على ذلك فتجمع بذلك خيرين وفضلين لمن أراد ذلك.

8.   سأقف عند مثال لأبيّن الفكرة المطروحة: كانت كتابة المصحف الشريف في عهد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على عظام الحيوانات وجلود الحيوانات من شدّة الفقر والحاجة واليوم يطبع المصحف الشريف بماء الذهب وطبعات رائعة الجمال وباهظة الثمن وبأعداد كبيرة جدّا وهناك تطور مستمر في هذا المجال وما زالت الأمّة تطبع طبعات أغلى من السّابقة لأنّها ميسورة الحال ولم يعد طبع المصحف الشريف يعيق أمّة غنية. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعلم فقر وحاجة أصحابه رضوان الله عليهم في هذا  الجانب فاكتفى بالصيام تخليدا لمولده الشريف ولم يكلّفهم بإعداد الطعام والشراب يومها رحمة بهم وهو أعلم بحالهم. والأمّة التي كانت تكتب القرآن الكريم وهو أعزّ ما لديها على عظام الحيوانات من شدّة الفقر لا يطلب منها أبدا أن تحتفل بمولد نبيّها الكريم بالطعام والشراب فإنّ ذلك من الإرهاق الذي لا تتحمّله عكس الأمّة الآن التي تعيش في رزق واسع متعدّد الأشكال والألوان فلا يضيرها أن تحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بما رزقت من نعيم ووهبت من خيرات ولتجعل الرزق الذي بين أيديها صدقة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمولده الشريف وإذا استطاعت أن تفعل ذلك طيلة السنة فإنّ ذلك من حسن الأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

9.   خلاصة، سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يحتفل بمولده الشريف بالطعام والشراب والتوسعة على العيال والإنفاق على الجوائز والضيافة وإقامة الندوات والملتقيات لأنّ الصحابة يومها كانوا فقراء وهم أحوج النّاس إلى الأكل والشرب واللّباس فلم يرد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يكلّفهم مالا يطيقون وكان بذلك رحيما بأصحابه رضوان الله عليهم وأمّا الأمّة الآن فهي في رزق واسع وخير كبير ونعمة واسعة فلا يضيرها أن تحتفل بمولد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بما رزقت من رزق ووهبت من نعم وأطعمت وسقت وأقامت الندوات وأدت الجوائز ودعت الضيوف ووسّعت على العيال.

وسوم: العدد 846