تأملات في القران الكريم ح442

سورة  التكوير الشريفة

للسورة الشريفة جملة من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الصادق عليه السلام : من قرأ سورة عبس وتولى وإذا الشمس كورت كان تحت جناح الله من الجنان وفي ظل الله وكرامته وفي جناته ولا يعظم ذلك على الله إن شاء الله تعالى .

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ{1}

تستهل السورة الشريفة (  إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) , لفّت فذهب ضياءها , بعد ان كان يملأ الافاق , وصارت سوداء مظلمة . 

وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ{2}

تستمر الآية الكريمة (  وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ) , تلاشا نورها .  

وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ{3}

تستمر الآية الكريمة (  وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) , اقتلعت من اماكنها وحركت او استحالت الى هباء منثورا {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً }النبأ20 .  

وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ{4}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَإِذَا الْعِشَارُ ) , كل ناقة مر على حملها عشرة اشهر سميت عشراء , والعشار جمع عشراء , (  عُطِّلَتْ ) , لشدة ما يصيبهم في ذلك اليوم ولم يك احب اليهم منها تترك وتهمل العشار بلا راعي , او قد يكون الترك والاهمال بسبب موتهم , والعشار على رأي اخرون السحاب , يتعطل عن حمل الماء , وفي اراء اخرى ان العشار ارحام النساء , تتعطل عن الحمل لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال:

1-    كثرة أمراض العقم ، وهذا ملحوظ في الزمن المعاصر.

2-    تقنين النسل أو تحديده ضمن ضوابط خاصة ، بحجة الفقر او التضخم.

3-    انتشار وتفشي الرذائل الأخلاقية (اللواط) باكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء .

4-    التلوث الجوي والبيئي الذي يؤثر سلباً على حمل النساء.

5-    انتشار الأدوية العقاقير التي من أثارها الجانبية تشويه الأجنة واسقاطها .

6-    انتشار وتفشي الأمراض التي تنصح النساء المصابة بها من الحمل.  

7-    عدم الرغبة في الإنجاب.

هذا من جانب النساء ، أما من جانب الرجال فقد تكون الأسباب ذاتها مع لحاظ انتشار ضعف الخصوبة لدى الكثير من الرجال لأسباب كثيرة منها:

1-    الوراثة.

2-    ممارسة العادة السرية في سن مبكرة .

3-    التلوث البيئي.

4-    الأدوية والعقاقير المؤثرة على الخصوبة.

5-    أنتشار الأمراض الجنسية .

6-    الكبت الجنسي.

7-    العادات والتقاليد الخاطئة.

8-    غياب الوعي والثقافة الصحية.

وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ{5}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) , بعثت بعد الموت , فجمعت من كل جانب , يرى بعض اصحاب الرأي ان جمع الوحوش في ذلك اليوم ليقتص بعضها من بعض , ثم تتحول الى تراب , او يبقي الله تعالى بعضها , حسب ما تقتضيه حكمته جل وعلا , ويرى اخرون ان لذلك حكم كثيرة منها ما هو خافٍ , ومنها , ان الله تعالى يحشر الوحوش وهي مخلوقات غير مكلفة , فكيف بالمخلوقات المكلفة كالجن والانس ؟ ! . 

وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ{6}

تضيف الآية الكريمة (  وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) , تحولت الى نار , لا غرابة في ذلك , حيث اكتشفت الكثير من البراكين في اعماق البحار , فهذا قد يدل ويشير الى انفجار تلك البراكين من اعماق البحار . 

وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ{7}

تضيف الآية الكريمة (  وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) , في الآية الكريمة عدة اراء منها :

1-    بمعنى قرنت كل نفس بمثيلتها , الكريم بالكريم , واصل الرحم بواصله , واللئيم باللئيم , وقاطع الرحم بمثيله , وهكذا .

2-    بمعنى ان المؤمنين زوجوا من الحور العين , والكفار قرنوا بشياطينهم , فعن الامام الباقر عليه السلام : أما أهل الجنة فزوجوا الخيرات الحسان وأما أهل النار فمع كل إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين والمنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم .

3-    بمعنى قرنت الارواح بالأجساد , بعد ان انفصلت منها في الموت . 

وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ{8}

تستمر الآية الكريمة (  وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ) , كان من عادات العرب ان يدفنوا المواليد من الاناث , خشية الفقر والعار , فتسأل , وفي هذا السؤال تبكيتا للقاتل "وائدها" .  

بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ{9}

تضيف الآية الكريمة (  بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) , تسأل الموءودة عن الذنب الذي استحقت به القتل , وهي لا تزال حديثة الولادة , لا يعرف خيرها من شرها , وفي ذلك اشارة الى قتلها بغير ذنب .

يلاحظ ان الآيتين الكريمتين سلطتا الضوء على وأد البنات لدى عرب الجاهلية , علما ان هذه العادة قد تلاشت وانعدمت بفضل الاسلام , فما الداعي لتأخذ مثل هذا الحيز في القرآن الكريم ؟ , يرى لذلك الكثير من الاسباب :

1-    بيانا لقبحها وشناعتها , وما فيها من التشنيع على افعال الجاهلية .

2-    المسلمون لا زالوا حديثي عهد بالإسلام , ولا زالت نفوسهم تميل الى تلك العادات الشنيعة .

3-    وجود المنافقين بين المسلمين , والذين امتنعوا عن وأد البنات خوفا منهم , او خوفا من افتضاح نفاقهم .

4-    لازال في وقتنا المعاصر من يفضل المولد الذكر على الأنثى ، فيفرح للولد وقد يحزن ويغتم للأنثى ، فيقول البعض "اني سوف الولد يبقى معي ، أما أبنتي أربيها وأتعب عليها حتى تكبر فيأتي رجل ليأخذها وينصرف " ، فأجابه أحدهم "وأنت أخذت زوجتك من بيت أهلها ولم يفكروا او يقولوا ما تقول" .

5-    الحفاظ على النسل والسلالة محصور لدى الأولاد ، فبهم يتباهى بالكثرة واستمرار السلالة ، فيقول أحد الشعراء ( أولادنا بنو أبناءنا ... وبنو بناتنا أبناء الرجال الأباعد). 

6-    ان يكون هناك دلالة اخرى تستفاد من الآيتين الكريمتين , وهي قطع او قتل ذوي القرابة من الرسول الكريم محمد "ص واله" , بلا ذنب موجب لذلك , وهذا ما جرى ويجري من بعد رحيله "ص واله" والى هذه الساعة , وسوف يستمر الى اليوم الموعود , فها هو الامام الحسين بن علي "ع" يقول في واقعة الطف مشيرا الى ابنه عبدالله الرضيع "ان كان الذنب ذنب الاباء , فما ذنب الابناء ؟ !" , وفي كلام له "ع" اخر مخاطبة القوم "ويلكم على مَ تقاتلونني؟ على حقٍّ تركته؟ أم على شريعة بدّلتها؟ أم على سنّة غيّرتها؟" , الى غير ذلك .     

وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ{10}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) , صحف الاعمال , فيأخذ كلا صحيفته , المؤمن بيمينه , والكافر بشماله . 

وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ{11}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ) , ابطلت , او ازيلت من اماكنها , كما يزال او ينزع الجلد من الشاة . 

وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ{12}

تضيف الآية الكريمة (  وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ) , اججت , واوقدت ايقادا شديدا للكافرين . 

وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ{13}

تضيف الآية الكريمة (  وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) , قرّبت من المؤمنين , وهنا يلاحظ ان الجنة بنفسها تتقرب الى المؤمنين لا العكس , بينما الكفار يساقون الى النار سوقا , ويحشرون فيها حشرا .   

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ{14}

تضمنت الآية الكريمة جواب ( اذا ) في الآيات الكريمة السابقة , ومحلها يوم القيامة , عند ذاك او في ذلك اليوم ( عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ) , من خير او شر .

صدق الله العلي العظيم

وسوم: العدد 854