أي بُنَي

اجعل قلبَك دائما في يقظة تستمد منها أسباب سعادتك في الدارين ، فإنه لابدَّ منهما ، ولا مهرب مما تشتمل عليه كلَّ دار . ولا ترسل نفسك مع  ترهات مافي الغفلة من طمس لحقائق هذه الحياة ،  فالأيام تمضي على كل حال والسعيد فيها مَن يملك زمام نفسه ويقودهـا إلى المكرمات والمآثر التي يتسع ديوانُ أهلها للمجدين مهما كانت  تطلعاتهم .

ولا تطفئ جذوة الأشواق للقيم والمُثُل العليا ، فإنك إن بادرت السعي إليها فقد فزت بتاج المبادرة وفيها خير كثير ، وإن تابعت سعيك على مدارجها فلا بد من الوصول ، ولن يخيِّب الله سبحانه وتعالى قلبا سعى إلى مرضاته في كل مايريد ، بل لكل مايتمنى من فضل موعود للساعين . فأمره جليل جميل فيه حُنُو ورحمة  وقبول . فمُكثنا في هذه الدنيا قليل ، والأيام تطوي صباحها ومساءَها على عجل ، واليقظ ــ رعاك الله ــ مَن لـم يتنكب الطريق ، وإنما  ألقى خُطاه على نور وبصيرة ، وحدَّد معالم السعي التي تحدث عنها أهل الحِجى على مــرِّ العصور ، بل أنزلها الله وحيا من السماء لأهل الأرض الذين أمدهم بالعقل  ـــ لعلهم يعقلون ـــ وأمدهم بالقوة لعلهم يصونون الأمانة التي حملوها ، ولا مهرب منهـا  ــــ وخير مَن استأجرتَ القوي الأمين ـــ فتلك صفحة إرشادية عُلوية نفيسة لمَن ألقى السمع وأصغى للنداء المقدس المصون .

أي بُنَي ... لاتُشغلنَّك الأهواءُ عمَّـا جاء من وحي السماء ، فما ارتقت نفس وسمت إلا عندما  سقت صاحبَها من سلسل الرضا الذي باركه الله . ولهذا دَعْ عقلَك لدى أهل المعرفة ، ودع سيرتك الحسنة لدى أهلك وأصدقائك الأبرار الأخيار ، واحذر من مخالطة الأشرار فإنهم مركبُ سوء يحملونك إلى مواطن التبار والخسران . وامنح عطفك وحُنُوَّك لأهل الفاقات والاحتياجات ، فإنهم ـــ والله ـــ أبواب رضوان الله ، ورب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرَّه . ولا تهتم لمَن يزدري سُمُوَّ نفسك وجلالة قدرك  من الناس ، فتلك طبيعة أهل الحسد ، فهم أعداء الإنسانية التي ترفع لواء الإخاء والوفاء ، واعلم بأنك عند الله صاحب مكانة ،  فلا تحزن ، وعش سيرة الأنبياء  ، فقد أُوذوا وصدَّ عنهم الناس ، ولكنهم لم يهونوا ولم يتراجعوا ، ومهما يكن من أمر الناس أولئك ، اُخـْـلُ بنفسك وجالسها ، واستأنس بما لديها من اليقين ، وما على لسانها من الذكر المبين ، تكن  ـــ هنا ـــ جليس ربك رب العالمين ، وساعتها يابشراك بما حباك الله من نعمة ومكانة . فما فوق الغبراء مهما تزينت وتبرجت إلا التباب والخراب .

عش سعيدا رغم كل العقبات والمعوقات ، وكن صاحب التوفيق الذي يمنحه الله لك من حيث لاتدري ، أجل ... كن هكذا مهما شعرت بضيق الصدر وكآبة النفس ، لأن رحمة الله لايمكن أن تنحسر عن وجوه المؤمنين به سبحانه . تذكَّر هذا ، وارجع دائما إلى المورد العذب مهما كان ظمؤُك ، فإنه يجري فراتا حلوا مدى الحياة ، واحترس من ظلم أحد ، ومن المنكرات والمهلكات ، واغتنم فعل الخيرات للأرحام ولسائر الناس  ، فإنك بذلك أخذت الموعظة الجليلة من مولاك سبحانه وتعالى مباشرة ألم تقرأ قوله جـلَّ وعـلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) 90 /النحل .

وسوم: العدد 912