هاتوا برهانكم

إشكالية قديمة حديثة ، نشأت مع الإنسان إنها سنة الاختلاف، هي سنة ثابتة  لا يتنازع  حولها اثنان ، فلاختلاف  نجده في كل شيء ، اختلاف الخلقة و اللون و الشكل و اللسان و الطباع و الأذواق  و الاعتقاد ، و اختلاف طرائق المعيشة و أنماط التفكير ،  كلها سنن ثابتة لا يجادل حولها إلا فاقد البصيرة ، و هذه السنة أقر وجودها الله تعالى ﴿ مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].

مع هذا الاختلاف الفطري لا يمنعنا أن نحقق و ندرس و نتعلم و نسأل و نستوضح و نناقش ، و نمحص و  ندلل الغموض  ، و نستجلي الحقائق ، نطلب الدليل ، نطلب الحجة و البينة ، فذلك لا يضر في الاختلاف  في شيء .  

و ربنا  سبحانه وتعالى يطالب من ابتعد عن  عبادته ،  إقامة البرهان و  الحجة لإقرار ألوهيته و أحقية عبوديته.

 يقول تعالى :    (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)  [النمل:64].

و في مواضع يحاجج الله الذين ساروا في ركب الباطل ، يحاجج من اختلت عندهم مقاييس العدل  و المساواة ، فساووا  بين الخالق و المخلوق ، ساووا الجلاد و الضحية ، سووا بين المحسن و المسيء ، ساووا بين  من يمتهن كرامة الانسان و من يعتقها و الفرق كبير و واضح ، ساووا بين حياة  العبودية و حياة الإلحاد .

كل هؤلاء و أشباههم يطالبهم الله سبحانه وتعالى بالحجة والبرهان :يقول الله تعالى :  (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ) [القلم:35-40].

لا مانع عندي أن تطالبني ببيان الرؤية ، و بالمقابل لا مانع عندك أن تناقشني بالحجة، وبالمثل  أناقشك بالحجة و الدليل ، و لا يرفض ذلك  إلا من  كان مهزوز القناعة ، ضعيف حجة و برهان ، يعجز أن يواجه غيره بحقائق المعرفة و البحث و التقصي ، و نحن في زمن أصبحت المعرفة سهلة المنال  إلا على عاجز أو مقصر أو متعصب أمسك بأوراقه الصفراء فلم يتجاوزها ،  يظل على حاله متعصبا ،  يدّعي المعرفة  و هو جاهل . و الحقيقة المقررة عند أهل العلم و المعرفة و أصحاب الحكمة ،  أن الاختلاف لا يزول   إلا ببرهان وبالحجة  و سلطان الحكمة ،  و  لا تبطل دعاوى الشك و الريب  إلا بإقامة   بالبرهان و الدليل .

وسوم: العدد 1044