الآداب الشرعية في البيت المسلم

توطئة حول الآداب الشرعية العملية وأحكامها في البيت المسلم :

كتب أحد الفضلاء حول التربية الإسلامية الفاضلة والقيم التي تحملها رسالة تلك التربية فأجاد وأفاد حيث قال : ( من الحقائق الثابتة عند التربويين أن التربية نبتٌ لا يصلح إلا في بيئتهِ ولا ينمو إلا من ري أهله ، ولا فائدة فيه للمجتمع إذا فقد جذوره الأصيلة المتصلة بعقيدة وتراث وماضي و حاضر ومستقبل المجتمع المراد زرع التربية في بيئته ، فإذا كان استيراد المواد والآلات والبضائع في مجالات الصناعة والتجارة يحمل معه بصورة مباشرة أو غير مباشرة أفكاراً وثقافات صانعيها ومورديها ، فإن استيراد النظم والقوانين والشرائع في مجالات السياسة والاقتصاد و التربية أعظم أثراً وأشد خطراً ، فالمسلمون جميعاً تقع عليهم مسؤولية كبيرة ألا وهي حماية الدين الإسلامي عقيدةً وفكرا وتشريعا ، وتكون أكبر عندما يصل البحث إلى سيرة المفكرين والتربويين الإسلاميين الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن حياة هذا الدين العظيم ، فحماية الدين الإسلامي لا يكفي فيها حماية الكتب الإسلامية ولا يكفي حمايته من خلال وسائل الإعلام والنشر والإذاعة والتلفزيو ن والانترنت ، وإنما يجب أن تبدأ الحماية والتحصين والتكوين للمفكر المسلم ذاته ، ويكون ذلك بإبراز الصفحات المشرقة والمضيئة من تاريخ عظماء الفكر التربوي الإسلام، وأن يكون أولئك الرجال هم المصادر التي يستقي منها رجال الفكر التربوي الإسلامي في واقعنا الحاضر نظريتهم الإسلامية ، وأن لا يلتفتوا إلى النظريات الوضعية والأخلاقيات العلمانية والسموم الاستشراقية ، لأن في تاريخنا وتراثنا الإسلامي مايعطي أبرز وأقوى نظرية تربوية متكاملة الأبعاد تجمع بين الجانب الروحي والجانب المادي ) انتهى .      

( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا )

أجل لقد جعل الله سبحانه وتعالى البيوت سكنا للناس ، والبيت هو البناء الذي تسكنه الأسرة وهم أفرادها فقط ، أو مَن يعيش معهم من جَدٍّ أو أب أو أم أو أخت لسبب ما . أو أن البت قد يكون من الأنواع الأخرى التي ذكرت في كتاب الله الكريم . وجعل الإسلام لهذه الأسرة ومَن يعيش معها الآداب الكريمة والأحكام السامية التي تؤكد على الاحترام والتقدير الذي يسود أفراد الأسرة ، وبهذه الآداب والأحكام تسلم الأسرة من المشاكل ، وتنال الثواب من الله عزَّ وجلَّ .( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ) 80 / النحل . ولقد عدَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المسكن الواسع والآخذ بالآداب والأحكام الشرعية من أسباب السعادة لأهل البيت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمَرْكَبُ الهَنِيُّ) رواه ابن حبان .وهذا المنزل هو المأوى المبارك للأسرة في عيشها فيه ، ويستحق أن يحمد الناس ربَّهم على هذا السكن ، وعلى مغفيه من طعام وشراب وكساء ، فعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممَّن لا كافيَ له ولا مؤويَ ) رواه مسلم . وعلى المسلم وفي هذا البيان أن يستعيذ بالله ممَّا قد يكون السوء في الدار أو المرأة أو المركب مهما كان .فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا عدوى، ولا طِيَرَةَ، وإن كان الشؤم في شيء، ففي الدار والمرأة والفرس) . متفق عليه . ولقد أرشدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى بعض الأذكار التي يجب أن نقولها إذا دخلنا المسكن ، حرصا منه صلى الله عليه وسلم على سلامتنا من الشيطان وجنوده ، وعلى وجوب صلتنا بالله في كل الأحوال ، وأما عند دخولنا المنزل . فقد ورد عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا ولج الرجل بيته، فليقل: اللهم إني أسألك خير المَولج، وخير المخرج، بسم الله وَلَجْنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربِّنا توكلنا ) . أخرجه أبو داود . فباسم الله نلج بيوتنا عند الدخول ، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( إذا دخل الرجل بيته، فَذَكَرَ الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيتَ لكم ولا طعام، وإذا دخل فلم يذْكُرِ الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعَشاءَ )أخرجه مسلم .

         ولم تترك السُّنَّةُ الشَّريفة بابا للشَّر إلا وحذَّرت من الولوج فيه ، ولا بابا للخير إلا ودعت إلى الأخذ بفضائله ومآثره . ولقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإغلاق أبواب البيوت عند المساء ، ويذكر المسلم اسم الله سبحانه وتعالى عند ذلك ، أخذا بالأسباب التي تمنع وقوع الشَّر والأذى للإنسان في بيته وأهله . فعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا كان جُنْحُ الليل أو أمسيتم فكفُّوا صِبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم وأغلقوا الأبواب ، واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا ) أخرجه مسلم .

ولدخول البيت أحكام وآداب أرشدنا إليه دينُنا الحنيف :

ولاتزيد المسلم هذه الأحكام وتلكم الآداب إلا تعلقا بما فيه الخير والبركة والطاعة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم . ومنها ماورد عن شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك . أخرجه مسلم وكذلك من الآداب السلام عند دخول البيت : وهذا فيه أمر إلهي كريم ، قال تعالى: ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ) 61/ النور . وأمر نبوي كريم أيضا من خلال وصية أوصى بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه ، فعنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا بني، إذا دخلتَ على أهلك، فسلِّمْ، يكنْ بركة عليك وعلى أهل بيتك) أخرجه الترمذي. هذا إذا المسلم بيته ، أما إذا أراد الدخول إلى بيوت الناس ، فيجب أن يتحلَّى بنفس الآداب التي ذُكرت ، والأحكام التي وردت ، فلبيوت الناس حرمة ومكانة لايجوز أن يتخطَّاها الزائر أو الضيف أو الصَّديق ، وإنما عليه الالتزام بأوامر الله ، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم . وللدخول على غير بيتك يبيِّن الله لأنا أدب الدخول فقال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) 27/ النور .فلا بد من الاستئذان وإلقاء السلام مع غض البصر عند الدخول . فعن ربعي بن حراش قال: حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه:( اخرج إلى هذا فعلِّمْه الاستئذان ) ، فقل له: قل: ( السلام عليكم ، أأدخل ؟ ) فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذِنَ له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل. رواه أبو داود بإسناد صحيح وللتأكيد على هذه الآداب النبوية لأبناء الأمة ورد عن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه، ولم أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ارجع، فقل: السلام عليكم، أأدخل؟) . رواه أبو داود والترمذي . وإن لم يؤذن للقادم إلى ذاك البيت ، فعليه التماس العذر لأهله ، فربما كان صاحب البيت خارج المنزل ، وربما كان لديه ظرف يمنعه من استقبال أحد في تلك الساعة . فلا ينزعج من عدم استقباله ولا يغضب . قال الله سبحانه وتعالى: ( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ) 28 / النور ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: (الاستئذان ثلاثٌ، فإن أُذِنَ لك، وإلَّا فارجع ) متفق عليه. وإذا طرق القادم إلى هذا البيت ، وقيل له مَن أنتَ ؟ فليُصرِّحْ باسمه أو كنيته ليعلم أهل البيت من القادم ، ولا يقول : أنا ، أنا ... وفي هذا تنبيه من النبيِّ صلى الله عليه وسلم للقادم إلى البيت ، فعن جابر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدَقَقْتُ الباب، فقال: ( من هذا؟) فقلت: أنا، فقال:( أنا أنا، كأنه كرهها) متفق عليه .

         وهذا الاستئذان محبب داخل البيت بين أفراد الأسرة ، ومن معهم من خدم وغيرهم . فعلى الأبناء الصغار من البنين والبنات والخدم إن وُجدوا أن يستأذنوا في ثلاثة أوقات ، ولا يجوز الدخول فيها على الوالدين ، ولا على غيرهما في البيت ممَّن يعيشون فيه . وهذه الأوقات هي : بعد صلاة العشاء ، وقبل صلاة الفجر ،وأثناء وقت القيلولة بعد صلاة الظهر ، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 58/ النور . وفي الآية بيان واضح لهذه الآداب ، ولايحتاج إلى تفسير .

عدم خروج الزوجة من البيت وعدم إخراجها في الطلاق الرجعي:

قال الله جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) 1/ الطلاق . وهنا قال علماؤُنا الأفاضل :

*لا يجوز للزوج إذا طلق زوجته أن يخرجها من بيته.

* ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إذا طلقها إلى انتهاء العدة.

*يجب أن تبقى المرأة في بيت الزوج، ويحرم على الزوج أن يخرجها، بل تبقى إلى أن تنتهيَ العدة . ولماذا هذه الأحكام ؟

والجواب : في الأخذ بهذه الأحكام حفظ للأسرة ، وإطفاء لنار الغضب الحاصل بين الزوج وزوجته ، والعودة إلى حالة المودة والألفة بين الزوجين ، وذلك :

*لأن الله بيَّن الحكمة من ذلك. فقال: ( لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) 1 /الطلاق .

*ربما إذا بقِيَتْ الزوجة في البيت تغيرت أخلاقها، وربما إذا بقيت تولد في قلب الزوج المحبة لها فيبقيها. فربما وقد طلقها زال ما في قلبه عليها وأبقاها. ولهذا قال تعالى: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )1/ الطلاق .

*فإن قال قائل: إذا بقيت في بيت الزوج، هل يحل لها أن تكشف وجهها له؟ فالجواب: نعم...

*يحل لها أن تكشف وجهها له، ويحل أن تتجمل له، ويحل أن تتطيب له، ويحل أن تكلمه ويكلمها، ويخلو بها، كل هذا جائز. لأنها زوجته، فالزوجية لا تزول إذا كان الطلاق رجعيًّا، إنما تزول بانتهاء العدة. ولهذا نقول: إذا طلق الإنسان زوجته طلاقًا رجعيًّا، تبقى في البيت.

ولا عبرة في واقع الناس اليوم أنه إذا طلق الإنسان زوجته، هربت من البيت، ولم تبقَ فيه، وهذا حرام عليها، وربما يخرجها هو بنفسه، وهذا حرام عليه، فإن خرجت هي فهي آثمة، وإن أخرجها هو فهو آثمٌ، تبقى حتى تنتهي العدة، ثم تذهب إلى أهلها: وفي ذلك يقول الله تعالى : (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) 1/الطلاق . سواء كانت هذه الفاحشة عائدة إلى الأخلاق أو المعاملة، فإنها حينئذٍ تخرج من البيت.

القضية الأخرى عدم خروجها من البيت إلا لحاجة:

قال الله عز وجل: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) 33 / الأحزاب .

؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: الْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية: الصلاة في المسجد بشرطه؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، ولْيَخْرُجْنَ وهنَّ تفِلاتٌ) ، وفي رواية: (وبيوتهن خير لهن) ومعنى تفلات : أي غير متعطرات ولا متزينات بزينة . أما الخروج للعمل فتتحرى المرأة المَواطن الصَّالحة للعمل ، وأن تحذز مخالطة الرجال ، وأن تتمسك بالحجاب الشرعي ، وأن تمتنع عن محادثة الرجال لغير مصلحة العمل ، وبالحدود التي يحفظ لها كرامتها وسمعتها ومكانتها الاجتماعية

أما رعاية المرأة لبيت زوجها:

فذلك واجب شرعي أسري لابد للمرأة من القيام به على الوجه الأفضل .فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّتِهِ، والإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته) . متفق عليه وهذا الواجب يكون في أمور عديدة ، ومنها عدم إذن الزوجة لأحد أن يدخل بيت زوجها إلا بإذنه .فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه) .متفق عليه فذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أمرين وهما عدم صيامها غير الفرض إلا بإذن زوجها ، وعدم الإذن لأحد أن يدخل بيتها إلا بإذنه وبعلمه . كما أنها تنفق من طعام بيتها بعلم زوجها ولا حرج في ذلك ، بل في ذلك الأجر من الله ولزوجها أيضا ، وقد ورد في ذلك الحديث الذي ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا) .

         وتتعدد وتتنوع الآداب والأحكام لصيانة البيت من كل الجوانب ، بل تفيض هذه الآداب والأحكام بأنسها ومودتها واحترامها للجيران ، فللجار حقوق على جيرانه ومنها عدم إيذائه في أي تصرف مشين ، بل إن الجار إذا اشترى الفاكهة مثلا أو أنواع الأطعمة الأخرى ، ولا يريد أن يعطي منها جاره ، فعليه أن يُدخل ذاك الطعام بحيث لايشاهده أطفال الجيران ، والسبب معلوم . واحترام الجار وإكرامه ، وقد قيل : الجارُ قبل الدَّار . وتلكم من سمات البيت المسلم في أداء هذه الواجبات الأخوية للجار وللضيف ، ولقد روى الإمام البخاري رحمه الله الحديث الشريف الوارد في هذا الشأن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَه( . إنَّها آداب وأحكام تؤكد حرص الدين الإسلامي على الرقي بالبيت المسلم ، وأنه البيت المثالي في تصرفاته ، وفي سيرة أبنائه وبناته في مجتمعهم ، والأحاديث النبوية الشريفة جاءت بلسما شافيا لما قد يحدث من أمور غير سارة ، ليتدارك أهل البيت الأمور قبل حدوثها ومنها :

*إطفاء النار عند النوم: فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حُدِّثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: ( إن هذه النار عدوٌّ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم) .متفق عليه . فالنار والأجهزة الكهربائية وأعقاب السجاير لدى المدخنين هداهم الله وكل مامن شأنه يولد نارا ، يجب أخذ الاحتياطات اللازمة ليتجنب كوارث الحرائق .وقد أكَّد النبيُّ صلى الله عليه وسلم على إطفار النار وجمرها عند انتهاء الحاجة إليها . فعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون) متفق عليه . وفي حديث آخر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمِّروا الآنية، وأجِيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح؛ فإن الفُوَيْسِقَةَ ( أي الفأرة ) ربما جرَّتِ الفَتِيلةَ، فأحرقت أهل البيت) أخرجه البخاري . وعنه رضي الله عنه قال :

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ( غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ ) رواه مسلم .ولو نسي المسلم فترك الإناء الذي فيه الطعام بغير غطاء فلا يرميه بل يتناوله إذا شاهده كما وضعه ، أي ليس فيه حشرة أو غيرها مما يعلمه الناس . ولقد حرص النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سلامة الأسرة ، وعلى نيل الثواب من الله فأرشد إلى التوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب فعن أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ ضضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ ) رواه الترمذي .

ذكر الله عند الخروج من المنزل:

وعلى ربِّ المنزل وآل بيته إذا خرج أحدهم من المنزل لحاجة ما أن يقول ما أرشد إليه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم . فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال - يعني: إذا خرج من بيته: باسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال له: هُديتَ، وكُفيتَ، ووُقيتَ، وتنحى عنه الشيطان) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، وزاد أبو داود: (فيقول - يعني: الشيطان - لشيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُديَ وكُفيَ ووُقيَ؟). وفي حديث آخر يرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أولياء الأسرة المسلمة إلى التحصُّن بالأذكار في سائر الأوقات ، والحالات . فعن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته يقول: ( باسم الله، توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزِلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليَّ) .

وفي فضل بر الوالدين وصلة الأرحام وغيرهما من فضائل الآداب :

         فقد وردت الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة في هذا الباب ، ولا يجهلها أحد من عامة المسلمين ولله الحمد ففي هذا البِّر وهذه الصلة للأرحام وللجيران وللضيوف ، وفي بقية المزايا والقيم التي وردت حول الأخلاق الفاضلة ، والبعد عن المفاسد من الأفعال والأقوال ... صياغة للمجتمع الإسلامي الفاضل . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم  ضيفَه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمتْ ) .ولا حاجة للتفصيل في هذه المآثر الإنسانية التي يثيب الله عليها عبادَه الذين يتحلون بها في حياتهم .

 خدمة الإنسان المسلم لأهله في بيته:

لاتوجد علاقة عميقة وقوية كعلاقة أفراد الأسرة الواحدة الذين تغشاهم المودة والرحمة التي لاحدود لها ، فلا نعجب إذا ماتم التعاون بين أفراد الأسرة على خدمة البيت ، ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في ذلك . فقد سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله : يعني خدمتهم . وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه:قلت لعائشة رضي الله عنها : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصِفُ نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم

إرشادات أخرى وأحكام في البيت المسلم :

للرجل إن خرج من بيته يريد المسجد لأداء صلاة الجمعة أن يغتسل ويتطيب فل في ذلك الثواب . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تطهر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضيَ فريضة من فرائض الله - كانت خطواته إحداها تحط خطيئةً، والأخرى ترفع درجة) . أخرجه مسلم

صلاة النافلة في البيت:

الصلوات المفروضات أداؤُها جماعة في المساج لها ثوابها المضاعف ، ولها العديد من الفوائد الأخرى ، وأما صلاة السنن فأداؤُها في البيت كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل الصلاة صلاةُ المرء في بيته إلا المكتوبة) .متفق عليه . وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا) .متفق عليه .وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده، فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرًا) .أخرجه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته . أخرجه مسلم .

قراءة القرآن وذكر الله في البيت:

لكي يحظى البيت المسلم بالأنس والبركة ، وتحفه الملائكة لابد من أن يذكر اسم الله فيه آناء الليل وأطراف النهار . من تلاوة للقرآن ومن الأذكار الأخرى الكثيرة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفِرُ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة) .أخرجه مسلم . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَثَلُ البيت الذي يُذكَرُ الله فيه، والبيت الذي لا يُذكَر الله فيه، مَثَلُ الحي والميت)

عدم إدخال الكلاب والصور للبيت:

تبقى للبيت المسلم مكانته الاجتماعية العالية ، ويبقى طاهرا نظيفا بعيدا عن المظاهر الجوفاء ، تحفه ملائكة الرحمة في الآناء يستمعون تلاوة القرآن وغيره من من أذكار . فجدير بأهل البيت أن يحافظوا على هذه الحال المباركة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة) .متفق عليه . ولقد ورد أنَّ أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم فدل ذلك على أن الصور لا تعلق في الجدران ولا تنصب إذا كانت ذات جسم ، و لا تبقى في البيت بل يجب أن تزال .لأنها محرمة والواجب إزالتها ولأنها تمنع من دخول الملائكة. ولكلاب الصيد أو المزارع وغيرها مما فيه حاجة للكلاب أحكام بينها العلماء ، ولقد بيَّن العلماء أن امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه كلب أو صورة يُنقص الثواب ، فالكلب رائحته كريهة ، وقد يلحق الأذى بالمارة ، ومن ولوغه في آنية الطعام أو الشراب الموجودة في البيت . والله أعلم .

( للبحث بقية سنوردها في العدد القادم إن شاء الله ) .

وسوم: العدد 1076