لا تستهينوا بدعاء زوجاتكم

أجل، لا تستهينوا بدعاء زوجاتكم، سواء أدعون لكم أم دعون عليكم؛ فإن دعون لكم فأبشروا بالنصر والرزق كما وعدكم حبيبكم صلى الله عليه وسلم، وإن دعون عليكم فاحذروا فقد تستجاب دعواتهن فيلحق بكم ما دعون به عليكم.

عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما قال: رأى سعد صلى الله عليه وسلم أن له فضلاً على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" البخاري.

يقول ابن حجر رحمه الله: قوله (رأى سعد) أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه.

وأخرج الحديث النسائي أيضاً ولفظه "أنه ظن أن له فضلاً على من دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قوله "رأى" أي: ظن.

قوله على من دونه أي بسبب شجاعته ونحو ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"، وفي رواية النسائي "إنما نصر الله هذه الأمة بضعفتهم؛ بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم"، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عن أحمد والنسائي بلفظ "إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم".

قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصاً في الدعاء وأكثر خشوعاً في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا.

وبعد، فأعود لأقول لكل زوج: لا تستهن بدعاء زوجتك، سواء أكان دعاؤها لك أم دعاؤها عليك، فإن دعت لك بالتوفيق والنجاح والرزق وهي مخلصة صادقة فأبشر بخير كبير ورزق وفير، وإن دعت عليك وقد ظلمتها فأخشى أن يلحق بك من الضرر ما يلحق، قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة" حديث صحيح أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وفي رواية أخرى صحيحة أيضاً عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

وهذه وقفات:

* لعل أحداً يقول: لقد قال صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" فلم جعلت المرأة من الضعفاء؟

وأجيب بما يلي:

- أوصى صلى الله عليه وسلم بالنساء فقال: "استوصوا بالنساء خيراً؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه؛ فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً" متفق عليه.

يقول ابن حجر: "قيل في معناه: اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن".

- في رواية الترمذي وابن ماجه وأحمد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنما هن عوان عندكم" وعوان جمع عانية وهي الأسيرة، والأسير ضعيف جاء في شرح الحديث: اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً.

- عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: "جهادكن الحج" وأورده البخاري في باب جهاد النساء وقال: وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بلفظ "جهاد الكبير، أي العاجز الضعيف، والمرأة الحج والعمرة". وفي هذا إشارة إلى أن عدم وجوب الحج على النساء لضعفهن.

- في حديث ضعيف أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في الضعيفين: المملوك والمرأة".

- من خلال اطلاعي على كثير من الخلافات الزوجية وإسهامي في محاولة التوفيق بين الزوجين أجد أثر دعاء الزوجة واضحاً سواء لزوجها أم عليه.

- يدعو الحديث أيضاً إلى تقدير المرأة عامة واحترامها والتواضع لها وترك احتقارها قال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة.

- في هذا الحديث توجيه للرجل أن لا يبخس المرأة عملها فإن أجرها لا يقل عن أجره إن أحسنت التبعل له.

نقل ابن حجر رواية عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال: "قال سعد: يا رسول الله أرأيت رجلاً يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره؟" فذكر الحديث يقول ابن حجر: وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أن سهام المقاتلة سواء؛ فإن كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه. (1).

- ليست هذه الدعوة إلى الحرص على دعاء الزوجة وحدها، بل كذلك دعاء الأم، ودعاء الأخت ودعاء الابنة، فدعاؤهن للرجل مطلوب مرغوب فيه كونه مجاباً إن شاء الله، وبه ينصر المرء ويرزق، وكذلك الحذر من دعائهن عليه إن ظلمهن أو أساء إليهن.

(1) فتح الباري – المجلد السادس – حديث رقم 2896.