ويبقى للمظلوم أقوى سلاح

د. عبد المنعم عبد الله حسين

ويبقى للمظلوم أقوى سلاح

د. عبد المنعم عبد الله حسين

لا يزال الصراع بين الحق والباطل قائماً ما قامت الحياة، مستمراً ما استمرت الدنيا، ولا يزال الخلاف بين الناس مشتعلاً، والخصومات محتدمة، والصراعات متقدة، ولا تزال القلوب مختلفة والنفوس متباينة والطبائع متغايرة، إلا من رحم ربي.

ومع نصوع الحق، وإشراق شمسه، وقوة ضيائه، فإن ضباب العناد يحاول أن يحجب ضوء الحق، وغيوم اللدد تحاول أن تخفي سنا الحقيقة، وعتمة الخصومة تحاول أن تواري نور الصدق.

وللباطل أساليبه الملتوية، وطرقه المعوجة، ودروبه العنيدة، ومتاهاته المحيرة، واتهاماته الجائرة، وتلفيقاته الكاذبة، وحججه الملفقة، وأقواله المنمقة، وجداله المدافع، ولسانه اللاذع، لتضيع بين هذه المتاهات الحقائق، وتتوه الوثائق، ويخرج الباطل من ساحة الحكم منتصراً، ويفوز الظالم، ويقهر المظلوم، وتطوى ملفات القضايا، ويسدل الستار، فهل ينتهي الأمر عند ذلك؟

لا... إن هذه الملفات ستفتح مرة ثانية، ويستأنف الحكم فيها، وتبسط الحقائق من جديد، وتناقش الوقائع في عدل مطلق، وإنصاف محقق، وميزان بالقسط، وفصل بالعدل، والموعد الآخرة، والحاكم رب العالمين الذي يقول (إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) (السجدة: 25).

ولا يفرح الظالم بما حققه من نصر ظلماً، وإن أصر على أن يفرح فليفرح ولكن بقطعة من النار اقتطعها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته أم سلمة رضي الله عنها "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" (متفق عليه) ولا يحزن المظلوم، فإن شهرت في وجهه أسلحة الباطل، فلم يزل بين يديه أقوى سلاح وهو الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن، يتسلح به المظلوم ليضرع وقت السحر –والظالم يغط في نوم عميق- ليناجي الحق الذي لا تضيع عنده الحقوق، فتسري دعوته إلى آفاق بعيدة، محتمية بأقوى الأقوياء، مستجيرة بجبار الأرض والسماء، مستغيثة بالقاهر فوق عباده، فتخترق دعوة المظلوم الحجب، وتفتح لها أبواب القبول، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" (رواه الترمذي).

دعوة المظلوم.. سلاحه الذي يأخذ به حقه وافياً، حين يهدر حقه بين البشر.. ويا له من سلاح، يهابه من يعرف قدره، ويتقيه من يدر خطره، ويخافه من يخشى أثره.

ومن ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه "واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" (متفق عليه).

ولما كان المسافر يمتلكه الرجاء ليسلم في سفره متحصناً بكل أسباب النجاة، كان من دعاء المسافر التعوذ من دعوة المظلوم، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في سفره قال "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال" (رواه مسلم).

قد تضيع الحقوق، وتبرق أسلحة الظالم ولكن يبقى للمظلوم أقوى سلاح يبقى له الدعاء.