بضاعة الحفيد

بضاعة الحفيد

تحت راية القرآن

سعة لا تضيق أبداً

د. محمد أبو بكر

لو أدرك كل مسلم في لحظة غضب على أخ له، أو في أثناء محاولة انتقام ممن أساء إليه.. لو تذكر كل مسلم كمية الأحقاد والضغينة التي يحملها في قلبه على أناس ظلموه أو أساؤوا معاملته أو أخطؤوا في حقه بقصد أو بغير قصد.. لو تذكر كل مسلم وهو يقطع هذا الذي هو من رحمه أو من غير رحمه أو وهو يدعو في صلاته قاعداً قائماً على من ظلمه.. لو تذكر هؤلاء الغاضبون المنتقمون والحاقدون القاطعون الأرحام وغير الأرحام.. لو تذكروا أن رحمة الله وسعت ذنوبهم وخطاياهم وآثامهم – وما أكثرها – وأن قلوبهم لم تتسع لهفوات إخوانهم وأهاليهم وغيرهم.. لطهروا قلوبهم ولعفوا وصفحوا.

أعجب حين أتأمل الآيات والأحاديث التي تتحدث عن سعة رحمة الله وعن حلم الله على عباده وعن تكرار الغفران لهؤلاء العباد الذين يذنبون ليل نهار بلا كلل ولا ملل فإذا ما استغفروا وجدوا رباً سميعاً غفوراً لكل هذه الذنوب.

لقد فتح لهم الرحمن الرحيم باب الرحمة وحثهم على الاستغفار كلما أذنبوا مهما كثرت ذنوبهم ما لم يشركوا بالله أو يأكلوا حقاً من حقوق عباد الله.

كيف لا نلتفت إلى قوله تعالى: ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) آل عمران/ 136.

إن تذنب وتستغفر ولا تصر على ما فعلت أي تتواضع لله ولعباده يكن جزاؤك ليس المغفرة فحسب بل جنة تجري من تحتها الأنهار! ومع ذلك فهناك بيننا من المسلمين من يصر على ذنبه ولا يستغفر ربه ولا يغفر لأخيه!

وقد وقفت على حديث جليل عظيم مهيب أتأمله أياماً بأكملها، وأعود أنظر إلى أحوال الناس من حولي فأعجب لعباد فتح لهم ربهم أبواب الرحمة والمغفرة كما لم يفتح لهم قبلها ولا بعدها باب ومع ذلك فهم يصدون عن هذا الباب حين يصرون على ذنوب صغيرة وخطايا حقيرة تضيع في خضم بحر رحمة الله ولم تتسع لهم قلوبهم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن عبداً أصاب ذنباً فقال يارب إني أذنبت ذنباً فاغفره لي. فقال له ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب ويأخذ به فغفر له. ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً آخر فقال: يارب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفر لي قال ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له. ثم مكث ما شاء ثم أصاب ذنباً فاقل العبد: يا رب إني أذنبت ذنباً آخر فاغفره لي. فقال أرحم الراحمين: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فقال: غفرت لعبدي فليعمل ما يشاء (رواه البخاري ومسلم).

ووجدت الحديث القدسي: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك، يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة".

سبحانك ربي وسعت رحمتك كل شيء.. سبحانك ربي أكرمت ابن آدم فلم يكرم نفسه بطلب غفرانك بالإحسان إلى عبادك والعفو عنهم. إن المحروم يا إلهي هو ذلك العبد الذي يحرم نفسه كرمك وسعة مغفرتك.. إن الشقي يا إلهي هو ذلك العبد الذي تقوده شقوته إلى إغلاق قلبه دون رحمة الناس.. هو ذلك الذي يحمل في قلبه ذرة كراهية أو حقد أو انتقام من عبد من عبادك.

اللهم إني قد عفوت عن من ظلمني وأحسنت لم أساء إلي وتصدقت بعرضي على الناس، فاسترني فوق الأرض واسترني تحت الأرض واسترني يوم العرض وأدخلني في واسع رحمتك يا أرحم الراحمين.