الخصائص العَشرة لتربية إسلامية فعّالة 2

الخصائص العَشرة لتربية إسلامية فعّالة

الحلقة الثانية (الأخيرة)

م. محمد عادل فارس

[email protected]

ذكرنا في الحلقة الأولى مقدمة عن التربية، وذكرنا للتربية الإسلامية أربع خصائص هي:

1- إنها تقوم على الإيمان بالله تعالى

2- تنسجم مع الفطرة

3- تشمل جوانب الشخصية جميعاً

4- وهي تربية متوازنة

والآن نكمل ذكر الخصائص العشر:

5- وهي تربية نظرية وعملية، تقوم على الإيمان والتقوى، وتدعو إلى العمل والإنتاج والعطاء والعمران، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتوجّه بالكلمة والأنموذج (القدوة)، وبالمكافأة والعقوبة.

وما أكثر ما يقترن الإيمان بالعمل الصالح في كتاب الله تعالى، ليؤكد أن الإيمان ينبثق عنه عمل صالح، والعمل الصالح يجب أن يؤسس على الإيمان.

}يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة{ التحريم:6

}والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر...{ التوبة:71

}قال: أمّا من ظَلَمَ فسوف نعذّبه ثم يُرَدّ إلى ربّه فيعذّبه عذاباً نُكراً. وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاءً الحسنى، وسنقول له من أمرنا يُسراً{ الكهف:88

"مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع" حديث حسن رواه أبو داود.

6- وهي تربيةٌ تُزاوج بين الفردية والجماعية، فقد قسم الإسلام الحقوق والواجبات بين أفراد الأسرة، وبين الإمام والرعيّة، وجعل الناس متكافلين في المال والجهد والنصيحة، وجعل المال لله أولاً، ثم للمجتمع ثانياً، ثم للأفراد، وأوجب على أفراد المجتمع أن يأخذوا على يد الظالم فرداً كان أو حاكماً، وأطلق أيدي الأفراد في العمران والإبداع والتملّك ضمن حدود ما شرع الله تعالى، وجعل لسلوك الأفراد ثلاثة ضوابط يُعزِّز أحدها الآخر، فأولها تقوى الله التي تعمُر القلب والضمير، وثانيها رقابة المجتمع التي تضغط على الأفراد حين يخرجون عن حدود "المعروف" ويتجاوزونها إلى "المنكر"، وثالثها سلطة الدولة (المسلمة) التي توجّه وتشجّع الخير، وتفرض هيبة الشريعة، وتعاقب العصاة الذين ضعفت التقوى في قلوبهم ولم يراعُوا حرمة المجتمع كذلك.

7- وهي تنمّي نوازع الخير في نفس الإنسان، ويكفي أن نقرأ هذه النصوص:

"الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستّون، شعبة. فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان" متّفق عليه.

"اتّقوا النار ولو بشِقِّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" متفق عليه

وعن أبي ذر t قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قلتُ: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفَسُها عند أهلها، وأكثرها ثمناً. قلتُ: فإن لم أفعل؟ قال: تُعين صانعاً أو تَصنع لأخرق. قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن ضَعُفْتُ عن بعض العمل؟ قال: تكُفّ شرّك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك" متفق عليه. [والأخرق: الذي لا يتقن ما يحاول فِعْلَه].

وعن أبي ذرّ أيضاً أن رسول الله r قال: "يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة. ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" رواه مسلم.

وعنه أيضاً: قال لي النبي r: "لا تحقِرَنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" رواه مسلم.

8- وهي ترعى رابطة الإيمان ورابطة البشريّة!.

فالناس – في العقيدة الإسلامية والتصوّر الإسلامي – خُلقوا من أب واحد، ولا تفاضل بين الناس على أساس اللون والقوميّة والوطن والثروة، إنما يتفاضلون بالإيمان أولاً، وبالتقوى ثانياً، وبالعلم ثالثاً:

}يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم{ الحجرات:13

}إنما المؤمنون إخوة{ الحجرات:10

}يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات{ المجادلة:11

وعلى المربّين والأهل أن يلحظوا هذه الحقيقة ويأخذوها مأخذ الجد، بأقوالهم ومسالكهم، حتى يتشرّبها أبناؤهم فيقيموا روابطهم مع الناس وفق ما يرضي الله.

9- وهي تربية تبدأ مع الولادة وتستمر مدى الحياة، تبدأ منذ أن يؤذَّن في أذن المولود، وتستمرّ حتى يلقّن "لا إله إلا الله" عندما يُحتضَر، وبين البداية والنهاية التعهد في العلم والتعلّم، والتزكيةِ والترقيةِ، والتخلية والتحلية، والنصح والإرشاد، والمكافأة والعقوبة، والتربية بالحال والمقال... كلُّ ذلك بما يناسب كل مرحلة من مراحل العمر.

10- وهي تربية تجمع بين الأصالة والمعاصرة: فما جاء به الإسلام من عقائد وتصوّرات وقيم وأحكام... يجب المحافظة عليها وتأكيدها، سواء جاءت القيم الوافدة على وفقها أو على خلافها، فالإيمان والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحكام الأسرة والاقتصاد والجهاد وغيرها مما جاءت به النصوص المقدّسة، يجب تأكيده وتعهُّدُه بالرعاية، فالإسلام ما جاء لكي يتماشى مع القيم الخاطئة، بل ليمحوها ويرسي قيمه مكانها.

لكن هناك زمرتين من الأمور المستحدثة التي ينبغي الاستفادة منها إلى أقصى حد، بما لا يتعارض مع الأمور السابقة التي تمثل الأصالة:

الزمرة الأولى: هي الكشوف العلميّة في ميادين الطبّ والفلك والاتصالات وغيرها. فهي مما حضّ الإسلام عليه عندما أمر بالسير في الأرض، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وتسخير ما في الكون للإنسان، وطلب العلم الديني والدنيوي...

الزمرة الثانية: هي الأساليب المستجدّة والتكنولوجيا التي هيّأها الله تعالى للإنسان من فنون الطباعة، والتسجيل، والاتصال الالكتروني، وفنون العَرْض، وألوان الرفاهية والزينة، وطرائق الإقناع وترسيخ الفكرة بالحوار أو باستخدام القصة والتمثيلية والترغيب والترهيب وغيرها. }ومن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتيَ خيراً كثيراً. وما يذّكّر إلا أولو الألباب{ البقرة:270

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها.