على العالم: قول الحق، وعلى الناس: حماية الحق

إخوتي الأكارم أخواتي الكريمات ، سأروي لكم قصتين:

القصة الأولى /// صدع الشيخ العز بن عبد السلام - كعادته - بكلمة الحق أمام سلطان جائر ، فأخرجه السلطان من دمشق ، وإذ بالناس لا يسكتون ولا يخافون ولا يتنصلون من واجبهم ، بل (تبعوه بجمهرة عظيمة إلى خارج دمشق) ، فاضطر السلطان إلى إعادته !!! ..

القصة الثانية /// كان أحد العلماء عالماً جليل القدر غزير العلم ، له طلاب كثر بلغوا الآلاف ، فخاف منه سلطان المنطقة ومن كثرة طلابه ، فاستدعاه إليه وقال: إن لك طلاباً كثراً، وأنا أخشى أن تأمرهم بشيء ضدي .. فضحك العالم وقال : لا أيها السلطان ، أنت مخطئ ، أنا ليس لي إلا طالب ونصف الطالب فقط !! .. استغرب السلطان وقال : كيف ذلك ؟ أنا لا أصدق ! .. فقال العالم : بل صدق فهذا هو الواقع ، قال السلطان : وكيف لي أن أعرف أن ذلك حقيقي ؟؟ قال العالم : أعلن (فقط أعلن) في الناس أنك تريد إعدامي وسوف ترى مصداق كلامي .. وفي اليوم التالي أعلن الحاكم أنه سيعدم هذا العالم الجليل الكبير ، وأقام الجنود منصة الإعدام ، وانتظر السلطان على أعصابه قدوم جحافل الطلاب المعترضين على إعدام عالمهم وشيخهم وأستاذهم وصاحب الفضل عليهم ، فإذا بالسلطان يرى بدل هذه الجحافل كلها طالباً واحداً فقط قدم إلى السلطان معترضاً ، وطالباً آخر قطع مسافة نصف الطريق فقط ولم يكمل !!! .. فضحك العالم وقال للسلطان : أرأيتَ كيف أن لي طالباً ونصف الطالب فقط ؟؟

*******

يد الله مع الجماعة ، والحق منتصر ولكنه يحتاج لرجال ، إن موقف الناس مع الشيخ عز الدين بن عبد السلام يجعل الحكامَ يعدون حتى الألف قبل أن يؤذوا عالماً ، وإن طلاب العلم المخلصين يقفون مع الحق على قدر حبهم له وللدين وللعلماء الذين ربوهم وأعدوهم للأيام العصيبة ... حتى إذا كبر هؤلاء العلماء وأثقلتهم الأعباء والمسؤوليات : كان على طلابهم من الشباب الأقوياء الأصحاء أن يطبقوا تلك الدروس عمليّاً ، وأن يعوا جيداً أنهم أحفاد الصحابة الأبطال الذين كان الواحد منهم في الثامنة عشرة من عمره يجوب الآفاق فاتحاً البلاد هادياً الناس بإذن الله .. يقوم بما لا يستطيعه الكهل الكبير الذي قام بدوره وأدى ما عليه في التربية والإعداد أولاً - قبل أن يأتي دور الشباب - ، ثم بالتوجيه والنصح ثانياً - ليستطيع الشباب تأدية واجبهم بشكل صحيح - .

أما إذا رأى العالم أن الناس يريدون منه أن يضحي من أجلهم بينما هم ليسوا مستعدين للتضحية من أجل أنفسهم فإنه لا يمكن أن يتحرك وحده في أمور ((يحتاج تنفيذها أصلاً إلى جموع)) ، وكلٌّ في ميدانه : فلا نستطيع أن نطلب من الكهل الكبير - المعروف باسمه ورسمه - ما نطلبه من الشاب القوي الخالي من المسؤوليات ، والذي يكون غالباً خلف اسم وهمي ... على العالم : النصح والتوجيه وقول كلمة الحق ، وعلى الناس : (حماية) كلمة الحق هذه نصرة للحق وحمايةً للعلماء الذين ((سيتجدد دورهم في الإرشاد عند المراحل الأخرى)) ، بينما نجد البعض من أعداء الدين يركبون الموجة ويريدون من العلماء أن يكونوا الآن وقوداً ((لكي لا يجدوا هم من يقف في وجه فسادهم في المراحل القادمة ، فيعاني الناس مرة أخرى من الفساد والضلال)) !! ..

فليعمل كلٌّ في ميدانه دون خلط ، والحق ... الحق وحده هو الذي ينتصر ، وبعد ذلك يجني كلُّ امرئ حصاد ما زرع ، ومن الله وحده الثواب والعقاب ، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الضلال بعد الهدى ومن الظلم للغير أو الإعانة عليه.. اللهم ثبتنا على الحق أبداً ما أحييتنا ، آمين .