الحياة هي

إيلاف العباسي

[email protected]

لكل واحدٍ منا تعريفٌ خاص بالحياة , ولكل واحدٍ منا تسمية ٌ خاصةٌ بالحياة , وكل هذه التسميات والتعريفات تأتي في إطار الحالة النفسية للشخص , فمنا من يراها تعاسة ٌ وخيبة , ومنها من يراها نعمةٌ وسعادة , ومنا من يراها فرحةٌ وبهجة , ومنا من يراها احتقارٌ ومهانة , فالغني يرى الحياة غير الذي يراه الفقير , والقانع يرى الحياة غير يراها الساخط , وهكذا

ولكن حينما تصفو النفوس بالسعادة , وتتهنى القلوب بالطمأنينة , وتسكن العقول بالسلام والنعيم لن يجد في وقتها ممن يتمتع بهذا الحال الحياة إلا وهي  . . .

طاعة : فالحياة طاعةٌ خلقنا الله سبحانه , وأوجدنا في هذه الدنيا من أجل طاعته وعبادته , ودليل ذلك قوله تعالى : (( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون )) والعبادة هي ذاك السر العظيم الذي تجعل النفس تشعر بطمأنينة الحياة , وتجعل القلب يشتاق لرضاه _ سبحانه _ ويُشغِل الفكر والعقل عن كل شيءٍ غير حب الله وكسب رضاه

إن العبادة بمفهوم السعادة هي أكبر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان , وإن كان كل هذا داخل في أركان العبادة وأصولها , ولكن بكل تأكيد ليست محصورةٌ فيه , فالعبادة هي أن تفعل أي شيء وكل شيء صغيراً كان أو كبيراً بشرط أن تقرن هذا الفعل وتشترط هذا العمل في الله ولله , فقد كان سلف الأمة مِن صحابةٍ وتابعين ومن تبعهم على الخير والهدى يغتنمون كل فعلٍ يقع منهم كي يجعلوه طاعة ً ورضاً لله , جاء عن أحد الصحابة  _ وهو معاذ بن جبل _ رضي الله عنه قوله : (( إني لأحتسب نومتي كما أحتسب  قومتي ))  أو كما قال وورد عنه .

وفعل المباحات وإن كان في أصلها مباح ولكن بإمكان كل واحدٍ منا جعل هذا المباح من القول والفعل في الله ولله , وما ذاك بالشيء الصعب غير أن نقلب النية ونوجهها لرضى الله تعالى .

وبغير طاعة الله وبغير التوجه له بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فمثلنا كمثل التائه الذي لا يُعرف له هدف ولا قرار أو سكون في موجٍ عاصف , فمن جعل غايته عبادة الله فقد نال السعادة في الحياة وحاز على الطمأنينة فيها .

الشيء الثاني الذي عليه الحياة هو : التفاؤل .

وبعكس التفاؤل: اليأس والقنوط والإحباط والعيش تحت مظلة التعاسة التي يصنعها الشخص لنفسه ويُحيط عليه هالةً من السواد في حياته , بل ربما يصل في  بعضنا الحال أن يبني حول نفسه غرفةً مُحكمةَ البناء , ما هي في الحقيقة إلا القنوط الذي ارتضاه في حياته , وكل ذلك قد حذرنا الله تعالى منه أو أن نجعله قريناً ومصاحباً لنا ,حينما قال سبحانه :

 (( ولا تيأسوا من روح الله انه لايأس من روح الله الي القوم الكافرين  ))

وقال سبحانه :

 ( ( ‏وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ‏ ) )

إن التفاؤل الذي ارتضاه الله سبحانه لنا أن نعيش فيه ومعه هو ذاك الأمر الذي يجعلنا نشعر بالطمأنينة لما هو قادم , وأن ننتظر ببشرٍ ذاك الذي هو أمامنا , وأن نسير بركبِ الفلاح والنجاح في سائر حياتنا , وأن نواجه تحديات الحياة وصعوبات الأيام ومواجهات الأعمار بسكونِ نفسٍ وطمأنينةُ قلب .

وتأتي الطمأنينة في الحياة حينما يمتلئ قلب أحدنا إيمانً بقضاء الله وقدره , فيصبح محور حياته وركن أيامه بأن ما أصابنا لم يكن ليُخطئنا وما أخطئنا لم يكن ليُصيبنا , وأن القدر الذي نزل بنا أو علينا هو أمرٌ قد قدّره الله علينا معشر البشر من قبل أن نُولد , لذا فالسخط والقنوط , والانزعاج والتأفف وأي مظهرٍ من مظاهر عدم الرضا بما وقع بنا أو نزل بحالنا ما هو إلاّ صعوبةٌ وتعبٌ ليس له داعي ولا موجب له .

إن الإيمان بقدر الله وقضائه والرضا بحكم الله وتنزيله بلسم ٌ لجروحنا , فما أجمل كلمات الحمد لله تعالى حينما تتردد على ألسنة الكثير ممن حولنا حينما تنزل بأحدٍ ضائقة أو تلمّ به مصيبة أو يقع به مرض , وما أكرم ذاك العبد والشخص الذي ارتضى لحياته الشكر على النِعم وحمد الله على النِقم , بكل تأكيد ذاك دليل إيمان الشخص ورضاه بما كتبه الله عليه , وأيضا بكل تأكيد هو باب ٌ من أبواب التفاؤل فتحه  في حياته , ومهما طال العسر فلا بد لليسر أن يأتي فإنّ مع العسر يُسراً .

الأمر الثالث من معاني الحياة وتعاريفها : العمل

فثمرة النية الصالحة: التفاؤل , وثمرة التفاؤل : العمل , يقول تعالى في كتابه الكريم : (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ))

الكثير ممن حولنا يعيش حالة (( هستيرية )) حينما يحين زمان عمله ويأتي وقت توجهه لمكان وظيفته, ولكن يستطيع هذا الشخص _ وكلنا مثله _ أن نقلب هذا التعب وهذا الضيق من هذا العمل وهذه الوظيفة إلى متعةٍ وسعادة , ولذةٍ نجد حلاوتها في النفس والحياة .

لن يكون ذلك بأكثر من أن نستشعر أن هذا العمل نيته لله تعالى , وغايته لخدمة الأمة , وتقديم الأفضل والأحسن والأكرم لها . فلذة فعل الشيء حينما تكون خدمةً موجهة لشخص ٍ ما نُحبه , كيف إذا ما كان هذا العمل نيته وغايته وقصده الله سبحانه !!

بالنية نقلب العادة إلى عبادة , ونقلب التعاسة إلى متعة , ونقلب ضيق الحال وعصبية المزاج إلى سكونٍ في النفس وطمأنينةٍ في القلب , فالعمل فريضةٌ الحياة  فلا مفرّ منه بكل ِ حالٍ من الأحوال , وسواءٌ رضينا أم لم نرضى فهو واجب ٌ علينا , اياً ما كان هذا العمل وأياً ما كانت مادته , فلماذا لا نجعل هذا العمل منحةً وسعادة !!؟

إن العمل _ وكما قلنا _ هو من معاني الحياة, بل من أبرز معانيها , والعمل الذي اقصده هنا  بمعناه العام ,  والذي قد يكون وظيفةً أو مهنةٍ أو حتى هوايةٍ جعلها شخصٌ منا لنفسه

لذا نجد إن الجميع ينشغل بعملٍ في حياته , ولكن بكل تأكيد خير ذاك العمل الذي يخلص نيته لله ويعود نفعه للأمة .

إن الحياة فرصةٌ منحها الله تعالى لنا كي نعيشها , كي نجعل منها مزرعةً ندّخر منها الحسنات وننثر فيها بذور الخير ونقطف منها رياحين المحبة والسعادة , لذا فالسعيد من عرف كيف يعيشها , ويغتنم وقتها , ويتلذذ بمباحها وحلالها .

إن الإسلام حينما جاء على لسان نبيّ الأمة صلى الله عليه وسلم لم يأتي ليجعل منا رهبانيةً ورهبان , بل جاء ليجعل منا بشراً خلقهم الله يجمعون بين روحهم وروحانيتهم , ويجمعون بين طبيعة نفوسهم البشرية وما ارتضاه لهم سبحانه من المباحات وبين ما فرضه عليهم من واجبات . لذا فمن يُحاول تغليب جانبٍ على آخر فلن يجد نفسه إلى في هاوية الهلاك , فلا العبادة وحدها هي سعادة النفس ولا التنعم بالملذات لوحدها سعادة النفس , بل في الجمع بينهما ما يكون معنى الحياة وبلوغ المقصود .

ملاحظة : أكثرت من ذكر طمأنينة القلوب وسعادة النفوس لأن هذا الأمر هو الذي يشتكي من فقده الكثير منا , بل صارت النفوس تبحث عن السعادة بكل ما يُمكنها أن تفتديه مقابلها , حتى توهم البعض واخطأ حينما قال ان ذلك لا يمكن أن يحصل إلاّ بالمال أو بالشهوة أو أو او  . . .

روائع :

الحياة : سفينة نجاةً في شاطئٍ متقلب الأمواج يسير بنا يمنةً ويُسرة , وربّان هذه السفينة  >>> نحن  <<<< ,

: وعلى هذه السفينة ننطلق إلى شاطئ التغيير لنجد هناك نجاة السعادة , لنجد هناك نقطة التغيير التي يجب أن تتوفر فينا , لنجد هناك ما يجب أن يكون فينا من قدرة على التاقلم لا مع العالم ولا مع الظروف , بل للتاقلم مع التغيير الذي يجب أن يتفاعل فينا

الحياة مزرعة العمر وفرصة النجاة في الآخرة , وحينما نُريد زرع ثمرة خيرٍ في حياتنا ونثر بذور الأفضل يجب أن نكون في وقتها قادرين ع التغيير , وأن نكون ممتلكين تلك العزيمة العالية والشخصية القوية والهمّة السديدة في توجيه دفّة السفينة لما يجب أن يكون من سعادةٍ ونجاة ٍ في حياتنا

الحياة فرصة العمر لكي نثبت لنا ولغيرنا بالقدرة على تطوير حالنا وتغيير شخصيتنا ونشر ذلك كله ع الجميع ممن حولنا وممن نحبهم