دعائم الداعية

د. عبدالله عزام

لابد للداعية من دعائم ثلاثة:

1- العلم.

2- الرفق.

3- الصبر.

1- أما العلم فهو ضروري للداعية لأنه ينقل دين الله، فلا يجوز له أن ينقل كلمة ما لم يتأكد من صحتها: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) الإسراء: 36.

لأن العابد الجاهل كالعالم الفاجر سواء بسواء كلاهما ضرره أكثر من نفعه، وقد نهى رب العزة عن اتباع الظن وذم الظن في مواطن كثيرة من كتابه العزيز: (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً) النجم: 28.

وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".

وعن مسلم عن المغيرة مرفوعاً: "من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".

قال عمر بن عبد العزيز: من عبدَ الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح.

وعن معاذ: العلم إمام العمل، والعمل تابعه لأن الله عز وجل لا يقبل عملاً إلا بشرطين: أن يكون خالصاً وصواباً، والخالص: أن يكون صادقاً لوجه الله لا يخالطه رياء ولا شرك، وصواباً: موافقاً للسنة، وهذا معنى قوله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) (الملك: 2) كما قال الفضيل بن عياض: وهو كذلك معنى الآية: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً) (النساء: 125).

فإسلام الوجه: هو الإخلاص، والإحسان: أن تعمل العمل موافقاً للشرع، وهو معنى دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

"اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد منه شيئاً."

وعن سعيد بن جبير:

"لا يقبل قول وعمل إلا بنية ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة.

وعن الحسن البصري:

لا يصلح قول وعمل إلا بنية، ولا يصلح قول وعمل إلا بموافقة السنة.

2- أما الرفق: فقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة فيه:

في صحيح مسلم عن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يُحرم الرفق يُحرم الخير)،

وروى مسلم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً:

"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"،

"يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف".

وهذا معنى قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (النحل: 125).

وقلوب البشر كالزجاج رقيقة قد تكسرها الكلمة الفظة الغليظة، فتنفر من الداعية، ولا تعود إلى الانجبار والالتئام، وكم من كلمة رقيقة دخلت إلى القلوب فهزتها، وحركتها وأيقظتها من سباتها، وصدق الله العظيم: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (آل عمران: 159).

3- الصبر: لأن الداعية لابد أن يتعرض للأذى، وهو يقابل الناس بما يخالف معتقداتهم وآراءهم، وينقض مبادئهم، ويسفه أحلامهم، ولذا فقد ورد في النظم الكريم على لسان لقمان لابنه وهو يعظه: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (لقمان: 17) وكأن النص المبين يشي أن الإيذاء ملازم للأمر بالمعروف فلابد من العمل، والصبر وصية الله إلى الرسل أجمعين عليهم الصلاة والسلام: (ولربك فاصبر)، (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) (الأحقاف: 35).

لابد من هذه الأمور الثلاثة للأمر والنهي:

العلم قبل الأمر والنهي، الرفق مع الأمر والنهي، الصبر بعد الأمر والنهي.

وقد جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً، ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: (لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً في ما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به حليماً فيما ينهى عنه).

فطوبى للعاملين، وطوبى للدعاة.. وطوبى: الجنة، وقيل: هي شجرة فيها.

ففي صحيح مسلم: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء"، وزاد أحمد: قالوا: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: "النزاع من القبائل" وفي رواية الترمذي: "الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي" وفي رواية أحمد والطبراني: "قوم قليل في قوم سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم".