رمضان

أحمد بن عثمان التويجري

أسعد الله مساءكم بكل خير وبارك لنا ولكم في شهر رمضان وأعاننا جميعاً على صيامه وقيامه على الوجه الأمثل ، وتقبل منا جميعاً إنه سميع مجيب. 

روى الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف. يقول عز وجل: "إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي". ورويا رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". 

لقد اعتدت في كل سنة عند استقبال رمضان أن أقطع وعوداً على نفسي بإنجاز أعمال كثيرة قلّما التزمت بأدائها على الوجه الأمثل وللأسف الشديد، ولكنني قررت في هذا العام أن أجعل تركيزي وجل اهتمامي منصبين على تعميق معاني التوحيد في قلبي وتحقيق ثمار ذلك في أقوالي وأفعالي، فما من مسألة في الوجود أعظم من توحيد الله عز وجل ولا مُنجيَ يوم الحساب أكبر وأكثر من لا إله إلا الله. 

من أجمل وأشمل تعاريف التوحيد التي اطلعت عليها قولُ الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، فَلاَ يُدْعَى إلاَّ هُوَ، وَلاَ يُخْشَى إِلاَّ هُوَ، وَلاَ يُتَّقَى إِلاَّ هُوَ،‪ وَلاَ يُتَوَكَّل إِلاَّ عَلَيْهِ، وَلاَ يَكُونُ الدِّينُ إِلاَّ لَهُ، لاَ لأحَدٍ‪ مِنَ الخَلْقِ، وَأَلاَّ نتَّخِذَ المَلاَئِكَةَ وَالنَبيِّين أَرْبَابًا، فَكَيْفَ‪ باِلأئمَّةِ، وَالشُّيُوخِ، والعُلَمَاءِ، وَالمُلُوكِ، وَغَيْرِهِم" (منهاج السنة‪ النبوية: ٣/٤٩٠)

وقد عدّ تلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله التوحيدَ سببَ كلِّ نجاةٍ في الحياة حيث قال: "ما دُفِعَتْ شدائدُ الدنيا بمثلِ التوحيدِ، ولذلكَ كانَ دعاءُ‪ الكرْب بالتوحيدِ ودعوةُ ذي النّونِ التي مَا دعَا بها مكْروبٌ إلاّ فرَّجَ اللهُ‪ كَرْبَهُ بالتوحيدِ، فلا يُلقي في الكُرَبِ العظامِ إلاّ الشّركُ ولا يُنْجي منها‪ إلاّ التوحيدُ، فهوَ مَفزعُ الخليقةِ وملجؤُها وحِصنُها وغِياثُها، وبالله التوفيق‪" (الفوائد: 67)‪
، وقال رحمه الله: " كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه، فإن القرآن إمَّا خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري، و إمَّا دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي، و إمَّا أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته، و إمَّا خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده، و إمَّا خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك و أهله وجزائهم" (مدارج السالكين:450/3). وقال ابن رجب رحمه الله: "إن تحقُّقَ القلب بمعنى لا إله إلا الله وصدقَه فيها وإخلاصَه يقتضي أن يرسخ فيه تألّه الله وحده إجلالاً وهيبة ومخافة ومحبة ورجاء وتعظيماً وتوكلاً ويمتلىء بذلك وينفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك لم تبق فيه محبة ولا إرادة ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينفي بذلك من القلب جميع أهواء النفس وإرادتها ووسواس الشيطان ، فمن أحب شيئاً أو أطاعه وأحب عليه وأبغض عليه فهو إلهه، ومن كان لا يحب ولا يبغض إلا لله ولا يوالي ولا يعادي إلا لله فالله إلهه حقاً، ومن أحب لهواه وأبغض له ووالى عليه وعادى عليه فإلهه هواه كما قال تعالى:  أَرَءَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ". 

أسأل الله عز وجل أن يعمر قلوبنا وعقولنا بالإيمان الثابت والتوحيد الخالص ، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا ، ويكتب لنا في هذا الشهر الفضيل الخير كله ، ويجعلنا ووالدينا وجميع من نحب من عتقاء النار، وأن يجود علينا بالخلود في جناته بعد عمر طويل على طاعته، وأن يمن على وطننا بالأمن والاستقرار والازدهار ، وأن يصلح حال أمتنا ويجمع كلمتها على الحق والخير، وأن ينصر إخواننا في فلسطين، ويطهر الأقصى من رجس الصهاينة ، وأن يرفع الظلم عن كل مظلوم ويفرج عن كل مهموم ويجبر كل مكلوم ويشفي كل مريض إنه على كل شيء قدير، وكل عام وأنتم ومن تحبون في صحة وسعادة وهناء والله يحفظكم ويرعاكم . 

وسوم: العدد 823