من صفات المؤمنين أنهم إذا أصابهم البغي هم ينتصرون

يكثر ذكر صفات المؤمنين في كتاب الله عز وجل ، ومن السور التي تضمنت ذكر بعض صفاتهم سورة الشورى التي قال الله عز جل فيها : (( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )) .

ولقد خص الله عز وجل الجماعة المؤمنة بصفات معينة من أجل أن تؤدي وظيفة معينة في هذه الحياة الدنيا مصداقا لقوله تعالى : (( كنتم خير أمة أخرت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) وبهذه المهمة حازت هذه الأمة مرتبة الشهادة على الناس مصداقا لقوله تعالى : (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )) . والأمة الشاهدة على الناس التي أخرجت لهم لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر جعل الله لها  صفات  تضمنها  هذا النص القرآني من سورة الشورى . وعلى رأس هذه الصفات صفة الإيمان ،ذلك أن الإيمان بالله عز وجل يكشف حقيقة الكون وسر وجود الإنسان فيه وتموقعه التموقع الصحيح فيه والانسجام مع الموجودات فيه والتناغم معها وبذلك يحصل الانقياد لإرادة  من أوجده سبحانه وتعالى وطاعته والخضوع لشرعه . وصفة الإيمان تنبثق عنها صفة التوكل على الله ذلك أن الإيمان الراسخ الذي لا يلابس شك أو تردد أو ارتياب يجعل صاحبه يستيقن أنه لا أحد في هذا الوجود يستطيع فعل شيء إلا   بمشيئة الله عز وجل ، وأنه لا يقع شيء في هذا الوجود إلا بإذنه سبحانه ، ومن ثم يقصر توكله عليه ولا يتوجه إلى غيره ولا يعول على سواه .  وتترتب عن صفة والتوكل على الله عز وجل الاستقامة والانضباط من خلال تجنب كبائر الإثم والفواحش . ولا يجتمع في قلب مؤمن إيمان راسخ بربه وفي نفس الوقت تجاسر عليه بارتكاب كبائر الإثم والفواحش . ويترتب عن تجنب كبائر الإثم والفواحش التخلق بالتسامح والعفو عند الغضب وضبط النفس لأن الغضب طبيعة بشرية فطر الإنسان عليها ولكن الله عز وجل ضبط هذه الطبيعة بسجية العفو ،  وجعل الغضب مشروعا إذا كان من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل . والعفو عند الغضب استجابة لله تعالى ولإرادته . ومن الاستجابة له سبحانه أيضا  إقامة الصلاة وهي عمود الدين كما أنها الترجمة العملية  للركن الأول من أركان الإسلام الذي هو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإقامة الصلاة شهادة لصاحبها بالإيمان كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وبإقامة عبادة الصلاة تصلح المعاملات لأنها ناهية عن سوء المعاملة . ومن المعاملات الشورى التي بها تحصل العدالة ، ويستقيم التوزيع العادل للثروات ، ويتم تبادل المنافع ، ويقع الإنفاق بين جماعة المؤمنين حيث يعود من له فضل مال على من لا مال له ، ويتحقق بذلك التلاحم والتآزر، وتصير هذه الجماعة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى . وهذا التلاحم يجعل الجماعة تنتصر إذا أصابها البغي تماما كما تلتحم أعضاء الجسد الواحد حين يهاجمه المرض .ويفصل الله عز وجل في الانتصار حين يقع البغي على الجماعة المؤمنة حيث يكون بالرد على السيئة بمثلها ،وذلك هو الانتصاف إلا أن الله عز وجل يرغب مرة أخرى في فضيلة العفو . وحتى لا يشعر المظلوم بالغبن فإن الله عز وجل رفع عنه الحرج إن هو انتصف ممن ظلمه . ومرة أخرى أيضا يرغب الله عز وجل في  فضيلة  العفو ويجعل ذلك من عزم الأمور وهي سجية صفوة خلقه من الرسل الكرام صلواته وسلامه عليهم . وإذا ما وقفنا عند صفة الانتصار حين يصيب البغي نجد أن البغي هو اعتداء وظلم وجناية واستطالة وانحراف وعصيان وفساد , ومن أمثال العرب : " البغي مرتعه وخيم " وقد ورد ذكره في القرآن الكريم مقترنا بأقبح الأعمال كما هو الشأن في قوله تعالى : (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون )) . ومما يسبب البغي الاستغناء لقوله تعالى : (( لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض )) وقوله أيضا : (( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )). ويضرب الله مثلا على ذلك بقارون فيقول سبحانه وتعالى : (( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم )). ولقد تعهد الله عز وجل بنصر من أصابه البغي إذا ما انتصر مصداقا لقوله تعالى : (( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله )) . ومن ينصره الله عز وجل فلا غالب له مصداقا لقوله تعالى : (( إن ينصركم الله فلا غالب لكم )). ومقابل وعده سبحانه بنصر من بغي عليه توعد بالعذاب الأليم البغاة مصداقا لقوله تعالى : (( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم )).

وسوم: 641