مشاعر نازفة...

رائد شريدة

على شاطئ الحياة وقفتُ يوماً أتأمل واقعي اللامتناهي وراء الشمس، والشمس الذهبية تسدل أشعتها على وجه الماء، غصتُ في تفكيري، فبدأت شواردُه تمخر عباب هذه الحياة، وبدأت تياراتُ تفكيري تأخذ منحًى آخرَ سرعانَ ما يتصاعدُ كالبركان، أو يُصَدِّعُ الأرضَ كزلزالٍ مَهيب، وشظَّتني الدياجي القاتمة، وأقحمتني في متاهة الحياة النازفة، التي طفقتُ أنزف معها دماً ودموعاً، تلك الحياة التي تتملكني وأتملكها، وتعانقني بشغفٍ وأعانقها، تعضني بنابها المسموم، فتفترسني اللهفة إلى ما أريد إلى مزيد من الأمل الخجول، أما الألم وحده فيزداد توتراً، ويسعى نحوي فاغراً فاه، فألمُ الروح لا يجدي نفعاً مقابل ألم الجسد الصارخ والقلب المتصدع، تلتهمني نيران التوتر والقلق الذي يتلاطم أمواجاً عاتية على مينائي، ولا يهدأ وإن هدأت الأمواج، وقلبي ينبض حسرة وألماً على ما يدور في خلد تفكيري، ولكن ترتابني من حين إلى حين نفحات الصبر، وتقول لي بكل ثقة: اصبر وما صبرك إلا بالله العلي العظيم، فتهدأ الوتيرة المتصاعدة بألسنة النار؛ لتخبو وتخبو حتى تكاد تنطفئ، أما سفينتي العجوز فتحاول جاهدة أن تسبق الأمواج إلى الميناء، فتحتضن الدفء والسكينة من جديد، ولكن سرعان ما تهب ريح مزمجرة توقد جذوة قد انطفأت أو تكاد، فترى النار وقد عرّتها الرياح، ناراً متوهجة تحرق الأضلع المتهالكة والقلوب الكسيرة، وتتناهى إلى أعماقي سحيقاً، فتنسلّ في خلجات قلبي وجسدي فتعطيه حرارة لا مثيل لها؛ حرارة الشوق والحنين واللقاء؛ حرارة لقاء مع مفقود لن يعود أبداً إلا مع حبيبتي المعجزة، ما إن يظهر حتى يختفي، وما إن يتدفق شلالاً كابتسامة وردية على فمي حتى يكبوَ مراتٍ ومرات، فتنطقُ الدمعة الحرّى لتلثم الخدّ الثاوي على جسد مكلوم، وما تنفكّ دائرة الحياة تدور من جديد، فتدور عجلة الأمل والألم ممزوجة في خاطري، معجونة في ثنايا أسراري، لتبدأ رحلة حياةٍ جديدةٍ علها تكون مفعمةً بسعادةٍ غامرةٍ في حلمٍ سعيدٍ يكاد أن يتحقق إن شاء الله...