خواطر فؤاد البنا 836

الإيمان هو الطريق الأضمن لتحقيق السعادة، وذلك بشقيها المادي والروحي؛ فإن  الإيمان يحث أصحابه على إشباع حاجاتهم الجسدية والروحية على حد سواء، وبهذا الشمول والتوازن يتذوق المرء حلاوة الإيمان ويتلذذ ببهجة الحياة؛ فيعيش في بحبوحة من السعادة.

****************************************

كم يحتاج الخَيِّرون في الحَدّ الأدنى لإغماض أعينهم عن رؤية القبائح التي تنتشر كالوباء في الكثير من بلداننا، وكم هم في أشدّ الحاجة لأن يديروا ظهورهم للآثام التي تشيع في عالمنا، وكم ينبغي عليهم أن يبذلوا من جهود للمحافظة على تميزهم الإيجابي، في هذا (العهد) الذي ضاعت فيه (العهود)، وفي هذا (الزمن) الذي استوطنت فيه الآفات (المُزْمنة). إنها ليست دعوة لمقاطعة الناس والانزواء عنهم، لكنها دعوة للتميّز الشعوري الذي لا يتكبر على الناس، ولعدم استمراء الخطايا أو الرضى بالانزلاق نحو الأسافل، إنها باختصار دعوة لتمتين الحصانة الفكرية وتقوية المناعة الروحية؛ حتى لا نكون من الإِمَّعات أو من الغثاء الذي يجرفه طوفانُ التغيّرات السريعة!

****************************************

لم يكن المسلمون الذين فقهوا إسلامهم منغلقين أبدا على أنفسهم، ومن استقراء حوادث التأريخ نجد أن دائرة الانفتاح والتفاعل الحضاري كانت تضيق بالتدريج كلما ابتعد المسلمون عن عصر تنزل الفرقان. ولو قارنا بين الدولتين العباسية والعثمانية سنجد أن الأولى كانت أكثر انفتاحاً، ورغم ذلك فإن كتب التأريخ تسجل بأن من بين ٤٨ صدراً أعظم في تأريخ الدولة العثمانية -والصدر هو الشخص الثاني في الدولة بعد السلطان - وُجد ١٢ منهم فقط الذين وُلدوا من آباء مسلمين. وكان معظم مجلس الوزراء مولدين من أمهات غير مسلمات أو غير عثمانيات، بل وكان للسلاطين أمهات من هذا النوع، فأمّ السلطان سليم الثاني (ت: ١٥٧٤م) كانت روسية، وأمّ السلطان محمود الثالث (ت: ١٦٠٣م) كانت ايطالية،  وانحدرت من أصل يوناني أمهات ٤ من السلاطين وهم: عثمان الثاني (١٦٢١م)، مراد الرابع (١٦٤٠م)، إبراهيم الأول (١٦٤٨م)، ومصطفى الثاني (١٧٠٣م).

****************************************

مهما احلَولَك الظلام واشتدٌت الخطوب، ومهما اضطرمت الحروب وتكاثفت الكروب، فإننا سنظل نواجه الابتلاءات والمحن بشموخ كشموخ المآذن التي ما تفتأ تُذكّرنا بأن (الله أكبر) من كل (كبير) وأنه (أقوى) من كل (باغ) و(جَبّار)، ولن ننس في أي ظرف من الظروف بأن (الزَّبَد يذهب جُفاءً) ولا يبقى في الأرض إلا (ما ينفع الناس)، وسنظل مؤمنين دوماً وأبداً بأن (العاقبة للمتقين).

****************************************

عندما كانت أمّة الإسلام تسير بثبات على الصراط المستقيم كانت قوية الريح عزيزة الجناب، وقد ظلت أمّة الشهود الحضاري على الناس، وظلت قوّامة على الأمم لمدة تزيد عن ألف عام. وفي هذا السياق ذهب العالم الفرنسي فيريه سنة ١٥٦٠م إلى أن الله تعالى قد اتخذ "من الأتراك سوطاً لتأديب المسيحيين... فالأتراك بالنسبة للمسيحيين هم بمثابة الأشوريين والبابليين لإسرائيل: مقرعة الله وسوطه اللاهب"!

ولأن الله تعالى لا يحابي أحدا من خلقه، وفق نواميسه العادلة في كل الأزمان ومشيئته الماضية على كل الخلائق والمدائن، فقد جعلت السُّنن من غير المسلمين أداةً لتأديب الذين تنكّبوا طريق الهداية وأعرضوا عن ذكر الرحمن، حيث انهالت -وما تزال- على المسلمين مطارق المحن من كل جهة واتجاه؛ لعلهم ينتبهون من غفلتهم السادرة ويستيقظون من سباتهم الحضاري الطويل، لكنهم ما زالوا في غيّهم يَعمهون، فكم يا ترى من المصائب تكفيهم حتى يستيقظوا من رقدتهم ويعودوا لمعانقة السنن والأخذ بأسباب الحرية والوحدة والقوة والمنعة؟

****************************************

قبل بضعة أيام ساق مستشار محمد بن زايد لليمنيين بشارة شديدة الشّبَه بسيده، بأن وطنهم لن يعود موحدا بعد اليوم، وها هي تلك البشارة السوداء تتحقق على الأرض وفق خطوات إبليسية مدروسة تتناغم فيها أطراف داخلية وخارجية عديدة، وتتبادل الأدوار باحترافية غير عادية، بعد أن تم تدشينها في عدن بحادثين إرهابيين متزامنين؛ وذلك في سبيل تفجير قنابل الكراهية المزروعة في القلوب منذ سنين، وتحويلها إلى حرب هوجاء تنتهي بتدخل أطراف خارجية عدة، لفرض الانفصال وتسليم الجنوب لعبيد الإمارات وتسليم الشمال لعبيد إيران. هذا هو المخطط الذي يجري على أقدام وسيقان عديدة، ولكن هل سيستلم الأحرار لهذا المخطط؟ وهل سيرضخ الشرفاء للأمر الواقع؟ وماذا بأيديهم كي يفعلوه من أجل تجنب هذا المآل؟

****************************************

تحكي كتب التاريخ بأن علماء أوروبا قد استفادوا في القرون الوسطى أمورا كثيرة من الثقافة الإسلامية، ومنها كيفية الجمع الأمثل بين الفلسفة واللاهوت وفق منهج ينقل العلاقة بينهما إلى دائرة التكامل بدلاً من التآكل، وأبرز مثال على ذلك هو القديس توما الإكويني الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، فقد نجح في الجمع المتساوق بين فلسفة أرسطو وبين اللاهوت المسيحي، مستفيدا في ذلك من فلسفة ابن رشد المعروفة في الجمع بين العقل والنقل.

أما غالب فلاسفة العرب في هذا الزمان فإنهم في تأثرهم بالثقافة الغربية يركزون على إبراز ما يمكن أن يقع من تضاد بين الدين وبعض النظريات العلمية، مما جعل العلاقة بين الدين والعلم تنتقل من ساحة التضافر إلى مضمار التنافر!

****************************************

نجحت تركيا في إيقاف  الحرب الأهلية التي استعرت في الصومال سنينَ عدداً، محققةً الاستقرار في ربوعه، وقامت بإعادة الطمأنينة إلى نفوس الصوماليين وخلصتهم من المجاعة التي حصدت مئات الآلاف منهم. وفي المقابل قامت إيران والإمارات بإشعال نار الحرب في اليمن وبسرقة الاستقرار والطمأنينة من الشعب اليمني، وأدخلتاه في مجاعة ومأساة كبيرة، لدرجة أن الأمم المتحدة عَدّتها (مأساة العصر)!

****************************************

يمكن لضباب الابتلاءات وسحائب المحن أن تمنعك من رؤية المستقبل المنشود، غير أنها لا يمكن أن تمنعك من بلوغه، إن سعيت نَحوَه بقَدَمي المعرفة والإرادة.

****************************************

تحتاج اليمن موجة من الحمق والجنون بعد جريمة اليوم في معسكر الجلاء بعدن، فهناك من أظهروا فرحهم وشماتتهم بأساليب طفولية حمقاء، وفي الطرف الآخر هناك من دعا لطرد كافة الشماليين من عدن، وقد بدأ بالفعل طرد مجاميع من الشوارع بدعوى أنهم مجهولون، بينما المجرم الذي أطلق الصاروخ معروف وقد اعترف بجرمه وتفاخر به. إن هؤلاء وأولئك بحمقهم يتسابقون على تحقيق أهداف الحوثيين الإرهابية في إدخال اليمنيين المزيد من الدوامات؛ حتى يبقى مُتربّعاً على كواهلهم ومتحكما بمصائرهم!

وسوم: العدد 836