خواطر فؤاد البنا 842

يظن أصحاب الفهم المنقوص أن المعاصرة ثمرة من ثمار التغريب، وأن التغريب هو الطريق الذي يجب أن يسلكه من يريدون اقتحام العصر بما فيه من تقدم وحضارة. وبحسب فهمي لديننا العظيم فإنني لا أعتقد بأن التغريب شرط لازم للتقدم والعصرنَة؛ فالإسلام يمتلك مقومات النهوض الحضاري في أي زمان أو مكان، مع بقاء أهله مسلمين في عقيدتهم وشريعتهم وعباداتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، حيث يَعتبر الإسلامُ الناس إخوةً متساوين، وتدفعهم عقيدتهم إلى أن يكونوا أحرارا مكرمين، وتوجب عليهم شريعتهم طلب العلم بمفهومه العريض والذي يجلب المنافع ويدفع المضار، وتلزمهم بإقامة موازين العدل وبالعمل والسعي الدائب لعمارة الأرض، وبالمجاهدة الدائمة من أجل امتلاك مقاليد القوة بأبعادها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والعسكرية، ويمتلك مناهج متكاملة لفهم الواقع وإقامة التخصصات، ولقراءة آيات الأنفس والآفاق والاستفادة منهما في معركة استعمار الأرض وصناعة الحياة، وللاستفادة من تجارب وخبرات ومنجزات الحضارات الأخرى، وغيرها من القيم الحضارية التي تكفل لأصحابها تحقيق التقدم الحضاري والولوج إلى العصر من أوسع أبوابه.

*********************************

حينما يرتكب حكام الغرب أخطاء في حق شعوبهم، فإنهم يُكفرّون عن هذه الذنوب على حساب الأغيار ولاسيما المسلمين، وقد رأينا أن استطلاعات الرأي حينما تبين تراجع نسبة الذين يؤيدون الزعيم الفلاني أو الحزب العلّاني، فإن هذا الزعيم أو ذاك الحزب يقوم بغسل أخطائه الداخلية عبر ارتكاب خطايا خارجية تمنحه العفو والرضى، وفي هذا السياق وجدنا أن دماء المسلمين وثرواتهم وكرامتهم يتم استثمارها في مواسم الحملات الانتخابية لجلب أصوات الناخبين في كثير من البلدان الغربية.*

*وهذا الأمر ليس بجديد على الغربيين، ومما تحكيه كتب التأريخ الأوروبي أن ملكاً برتغالياً يدعى جون قام سنة ١٤١٥م وفي الذكرى الثلاثين لتوليه العرش بغزو مدينة سبتة المغربية، وذبح جيشه الآلاف من المسلمين ونُهبت دورهم ومتاجرهم بتأييد من البابا الذي اعتبر هذه الجريمة حملة صليبية مباركة، وتم تحويل المسجد الكبير إلى كنيسة، وتفاخر الملك جون بأنه قد غسل يديه الخاطئتين بدماء الكفرة، الذين لم يكونوا إلا المسلمين المسالمين الآمنين في بلدهم!!

*********************************

يُعدّ عباقرة العلوم والفنون والآداب ثروة لا تُقدّر بثمن لأوطانهم وحتى لأسرهم بعد موتهم، لكن أغلبهم، ويا للمفارقات، عاشوا ويعيشون حياةً ملؤها النّصَب والكفاف ولا يزال أغلبهم يعانون من الإملاق والفاقة، وخاصة في المجتمعات التي لا تأبه بالإبداع ولا تُقدّر الموهوبين. ومن عجيب ما يُروى في هذا السياق أن الرسام الهولندي الشهير فان جوخ عانى في حياته من فقر مدقع دفعه لأن يظل أياما طاوياً لم يتناول إلا الماء والقهوة، وذلك في سبيل أن يشتري الألوان التي تحتاجها لوحاته. ومن العجيب أنه رغم هذه التضحية لم يَبع في حياته إلا لوحة واحدة، أما بعد مماته فقد بيعت مئات اللوحات وبيعت بعض لوحاته بعشرات الملايين من الدولارات، بل وتواترت الأخبار بأن خطابا له وجّهه لأحد الموسرين يطلب فيه أن يُقرضه ٤٠ فرنكاً، قد بيع بعد موته ب ٤٠ ألف فرنك، وهناك من الموهوبين من عانوا الجوع والتجاهل وماتوا من المَسغبة وسوء التغذية، والغؤيب أنهم حينما ماتوا ذُبحت ذبائح كثيرة في مآتمهم حزنا على مغادرتهم للدنيا التي لم ينتبه لهم فيها أحد؛ فقد كان أحرارهم يستترون بعزّة النفس حتى أن الجاهل يحسبهم أغنياءَ من شدة التعفُّف!!

*********************************

حينما يرتكب حكام الغرب أخطاء في حق شعوبهم، فإنهم يُكفرّون عن هذه الذنوب على حساب الأغيار ولاسيما المسلمين، وقد رأينا أن استطلاعات الرأي حينما تبين تراجع نسبة الذين يؤيدون الزعيم الفلاني أو الحزب العلّاني، فإن هذا الزعيم أو ذاك الحزب يقوم بغسل أخطائه الداخلية عبر ارتكاب خطايا خارجية تمنحه العفو والرضى، وفي هذا السياق وجدنا أن دماء المسلمين وثرواتهم وكرامتهم يتم استثمارها في مواسم الحملات الانتخابية لجلب أصوات الناخبين في كثير من البلدان الغربية.*

*وهذا الأمر ليس بجديد على الغربيين، ومما تحكيه كتب التأريخ الأوروبي أن ملكاً برتغالياً يدعى جون قام سنة ١٤١٥م وفي الذكرى الثلاثين لتوليه العرش بغزو مدينة سبتة المغربية، وذبح جيشه الآلاف من المسلمين ونُهبت دورهم ومتاجرهم بتأييد من البابا الذي اعتبر هذه الجريمة حملة صليبية مباركة، وتم تحويل المسجد الكبير إلى كنيسة، وتفاخر الملك جون بأنه قد غسل يديه الخاطئتين بدماء الكفرة، الذين لم يكونوا إلا المسلمين المسالمين الآمنين في بلدهم!!

وسوم: العدد 842