خواطر فؤاد البنا 844

لقد تجسّد في تشجيع اليمنيين لمنتخبهم الوطني للناشئين ظمأهم الشديد للبهجة وعطشهم الأكيد للفرح؛ فقد سرق أئمة الشيعة الفرحة من قلوب اليمنيين وصادروا الابتسامة من وجوههم، وأقاموا ل(اليمن السعيد) عملية جراحية فصلوا بموجبها (السعادة) عن (اليمن) وصارت التعاسة رفيقة اليمنيين التي لا تنفك عنهم، حتى صار تجهم اليمني أمرا طبيعياً غير مستغرب. وبعد ثورة ٢٦سبتمبر عاد لهم شيئ من السعادة، غير أن الحوثيين صادروا تلك السعادة؛ بانقلابهم على ثورة اليمنيين وثقافتهم وأخلاقهم ومصالحهم وشرعيتهم الدستورية. ولأن الشقاء مشروع إيراني يراد تصديره إلى دول الجوار فإن  اليمنيين اليوم يقفون مع جيرانهم في مفترق طرق لاستعادة سعادتهم المسلوبة أو للسير في طريق الشقاء والبكائيات على (آل البيت الساساني) الذين انطفأت نيرانهم إلى الأبد فتسلّحوا وتمسّحوا بالعصبية ل(آل البيت النبوي)!!

**********************************

من المعلوم أن الأوطان صارت في الواقع العالمي شخصيات متعددة الأعضاء متكاملةالوظائف، ويبدو أن حكام بلداننا هم أنفسنا، ولا شك أن معظم هؤلاء الحكام هم أنفسنا الأمَّارة بالسوء؛ فإنهم لا يزالون يثيرون في مواطنيهم أتربة الأجساد ويُشعلون سُعار الغرائز، وما فتئوا يدفعونهم نحو الغرق في الشهوات والانقياد للنزوات، وذلك عبر أجهزة التربية والتعليم ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وعبر مختلف الفنون والآداب. ولأن التغيير الاجتماعي لا يتحقق حتى يُغيّر الناس ما بأنفسهم؛ فإن من المُحتّم تغيير ما في الأنفس عبر تغيير الأفكار والسياسات وليس بالضرورة تغيير الحكام أنفسهم؛ ولذلك قال تعالى: { حتى يغيروا ما بأنفسهم} ولم يقل: حتى يغيروا أنفسهم، فالعبرة بما يُحكَم لا بمن يَحكُم!

**********************************

لا يمكن لعالم منصف إنكار أثر العقائد الفارسية على التشيع الذي ظهر في التأريخ الإسلامي، التشيع الذي ظل الفرس سدنته الكبار وصارت إيران هي الحاضنة الأهم له من بين بلدان المسلمين. ومن أهم الأفكار المقتبسة من المجوسية فكرة الأئمة الاثني عشر المعصومين ولا سيما الإمام الثاني عشر وهو الذي غاب منذ قرابة اثني عشر قرنا وسيعود ليجعل الشيعة حكام العالم وسيُصلح أخطاء المسلمين ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. فإن بقايا المجوسيين يؤمنون بفكرة الترقب لظهور أبناء زرادشت الذين لم يولدوا بعد!

وكما أن أولاد زرادشت لم يولدوا بعد كل هذه القرون، فإن الإمام الغائب للشيعة لم يظهر ولن يظهر أحد، لكن توارث هذه الفكرة سيستمر، ما دامت العقول الواعية غائبة والعصبية القومية حاضرة!

**********************************

إذا كان هناك مائة مبرر لثورة المصريين على حسني مبارك؛ فإن هناك ألف مبرر للثورة على السيسي، ولكن هل الشعب المصري جاهز للثورة بالفعل؟..يبدو أن قطاعا عريضا من المصريين قد ألِف عبادة الفرعون، وهناك قطاع عريض من المحبَطين من تداعيات ما بعد ثورة ٢٥ يناير وما آلت إليه الأوضاع، ثم إن الكتلة الحرجة التي تحملت أعباء ثورة يناير يتوزع أبناؤها اليوم بين السجون والمنافي والمقابر. ولأن الشعور بالقهر يدفع الغريق للتعلق بقشة فقد سمعت أحد علماء مصر  يتفاءل بأن ما يحدث في مصر الآن هو ثورة، وأهم أدلته هو أن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي قد مات وأن مقعده الفارغ في جدة سيملأه السيسي!!

**********************************

في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ وخلال خمس سنوات عجاف، كان الموت القادم من الشمال يزحف على شكل إعصار ينطلق من كهوف صعدة، وكان شياطين الانقلاب يتحججون بأن النظام الذي ارتضاه اليمنيون عبر انتخابات حرة، قد رفع قيمة المشتقات النفطية بمقدار 7% بسبب أزمات البلاد ورفض أعراب النفط تسليم ما تعهدوا به لليمن في مؤتمر لندن، وقد تم الانقلاب على الشرعية والسيطرة على مؤسسات الدولة بالإرهاب الذي تجاوز كل الحدود وفاق كل التصورات، ونجح بدعم خارجي من أشقاء انخرط بعضهم  في ما بعد في التحالف العربي، وكان هؤلاء الحمقى -في أحسن الأحوال- يعتقدون أنهم ينتقمون من رغبة اليمنيين في امتلاك مقاليد أمورهم وتسببهم في إشعال أشواق الحرية وسط شعوب تلك الأنظمة التي جمعت بين الاستبداد والفساد. وبعد سيطرة الانقلابيين الحوثيين على مقاليد البلاد رفعوا أسعار المشتقات النفطية بنسبة تصل في بعض الأوقات والأماكن إلى 700%  بدلا عن ال7% التي تحججوا بها وأدخلوا اليمن في أتون حروب التهمت جماجم عشرات الآلاف من اليمنيين، وقد أخبر واقع الحال بأنهم أحرقوا بتلك المشتقات النفطية الأخضر واليابس في بلاد السعيدة، التي لم تفقد ما بقي لها من سعادة بل استحالت إلى مضرب المثل في الجحيم والشقاء؛ حتى أن الأمم المتحدة اعتبرت أن كارثة اليمن تُمثّل مأساة العصر!!

**********************************

لقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أمّته من تسلل علل التدين التي ظهرت في الأديان السابقة إليهم، ولأن الأمر مرتبط بسُنّة من سنن الله التي لا تتخلف إن وجدت البيئة المناسبة لها؛ فقد صاغ النبي صلى الله عليه وسلم تحذيره بصيغة تقريرية توكيدية تقول: "لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً فشبرا وذراعا فذراعا حتى لو دخلوا جُحر ضَب لدخلتموه". ومن تلك العلل والآفات التي انتقلت إلى المسلمين ممن قبلهم تقديس العلماء والصلحاء والتعامل معهم كأنهم مُلّاكٌ للحق في التحليل والتحريم بل وقادرون على النفع أو الضر لغيرهم. لقد تقمّص بعض العلماء دور الأحبار والرهبان في اليهودية والنصرانية، وتربّع آخرون مكانة مقدسة لا تحل لهم كما فعل البراهمة في الهندوسية والسانغهات في البوذية واللتراتيين في الكونفوشيوسية. ولا شك بأن تصحيح هذا الوضع المنحرف إنما يتم بإعطاء العلماء مكانتهم في صناعة الوعي ولكن دون تقديس، ومن المؤكد أن تحقيق هذا الأمر يوفر واحدة من أهم مراقي النهوض الحضاري المنشود.

**********************************

حينما يرتكب حكام الغرب أخطاء في حق شعوبهم، فإنهم يُكفرّون عن هذه الذنوب على حساب الأغيار ولاسيما المسلمين، وقد رأينا أن استطلاعات الرأي حينما تبين تراجع نسبة الذين يؤيدون الزعيم الفلاني أو الحزب العلّاني، فإن هذا الزعيم أو ذاك الحزب يقوم بغسل أخطائه الداخلية عبر ارتكاب خطايا خارجية تمنحه العفو والرضى، وفي هذا السياق وجدنا أن دماء المسلمين وثرواتهم وكرامتهم يتم استثمارها في مواسم الحملات الانتخابية لجلب أصوات الناخبين في كثير من البلدان الغربية.

وهذا الأمر ليس بجديد على الغربيين، ومما تحكيه كتب التأريخ الأوروبي أن ملكاً برتغالياً يدعى جون قام سنة ١٤١٥م وفي الذكرى الثلاثين لتوليه العرش بغزو مدينة سبتة المغربية، وذبح جيشه الآلاف من المسلمين ونُهبت دورهم ومتاجرهم بتأييد من البابا الذي اعتبر هذه الجريمة حملة صليبية مباركة، وتم تحويل المسجد الكبير إلى كنيسة، وتفاخر الملك جون بأنه قد غسل يديه الخاطئتين بدماء الكفرة، الذين لم يكونوا إلا المسلمين المسالمين الآمنين في بلدهم!!

وسوم: العدد 844