خواطر فؤاد البنا 861

كيف يمكن أن يصل إلى زهور المستقبل من لم تُدمِ أشواكُ الحاضر أيديَهم وأقدامهم؟!

*****************************

ما أجمل أن ينتمي الإنسان للأفكار ويتحزّب للحقائق وليس للأشخاص، مثل ابن قيم الجوزية الذي كان يقول: "أحبّ شيخي ابن تيمية ولكن الحق أحب إليّ"، وهذا ديدن عمالقة العلم في كل زمان ومكان، ومن هؤلاء إسحاق نيوتن الذي قال: "إن أفلاطون صديقي وأرسطو صديقي، ولكن أفضل أصدقائي هو الحقيقة".

*****************************

خصوبة البيئة المصرية للظلم

بمناسبة ثورة ٢٥ يناير المصرية تأملت في ظاهرة الاستبداد، فرأيت أن هناك بيئات اجتماعية شديدة الخصوبة لاستزراع أشجار الاستبداد الزقّومية، وتعد مصر من أخصب البيئات على مستوى الأرض؛ ولذلك فقد صنعت عبر تأريخها أطغى طغاة البشر وهم سلسلة من الفراعنة الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، وبرز من هؤلاء من وصل تقديس الناس له إلى درجة ادّعاء الربوبية، ليس بلسان الحال فقط بل وبلسان المقال، فقد روى القرآن أنه قال: {أنا ربكم الأعلى}، حيث تجاوز التألُّه إلى ادعاء الربوبية التي تعني القدرة على الخَلْق والإماتة وعلى تحقيق الضر والنفع. وحينما تصبح البيئة خصبة فإن كثيرين يتحولون مع امتلاك النعم وكثرة المديح والتعظيم، إلى طغاة يتكبرون ويتجبّرون على الناس، ذلك أن الإنسان يمتلك استعدادات الطغيان كما قال تعالى: {إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى }. ونظرا لكثرة تحوّل أناس كانوا طيبين إلى طغاة، فقد صاغ مصريون المثل الذي يقول: "اللي تقول عليه موسى يطلع فرعون". ويؤيد القرآن هذه الرؤية للمجتمع المصري من خلال تشريحه الواسع لظاهرة الفرْعنة، التي تحتاج بالطبع إلى دراسات موسعة ومعمّقة من قبل علماء اجتماع ونفس وسياسة وتأريخ، لدراسة الثقافة المصرية والبحث في مكوناتها عن أسباب هذه الآفة ومعالجتها بعمق، بما فيها التحية والألقاب. وللعلم فإن مشتقات كلمة السجن التي ترتبط بالطغيان السياسي، قد وردت عشر مرات في القرآن الكريم وكلها ذات صلة بمصر وحدها، مما يذكرني بما يروى عن الداعية المصري عبد الحميد كشك رحمه الله من أنه قال: "تحضر تسعة أعشار الظلم في العالم في مصر وحدها"!

وسوم: العدد 861