الخاطرة ٢٧٤ : النبي يوسف وعصر الاهرامات الجزء ٤

خواطر من الكون المجاور

في إحدى المقابلات التلفزيونية وجه مقدم البرنامج سؤالا للدكتور زاهي حواس عن رأيه في كتاب روبرت بوفال (سر حزام أوريون) الذي يدعي فيه أن الأهرامات تم بناءها عام ١٠٤٥٠ قبل الميلاد وليس عام ٢٥٠٠ ق.م ، فكان رد الدكتور زاهي حواس (ماذا درس مؤلف هذا الكتاب؟ ... أنا عالم في تاريخ وآثار مصر القديمة ....) وكأن الدكتور زاهي حواس يقصد بأن روبرت بوفال غير متخصص بعلم تاريخ مصر القديمة وأنه هو المتخصص بهذا المجال ، ولهذا يجب أن نأخذ فقط برأي علماء الآثار وعلماء تاريخ مصر القديمة فقط ، وأن آراء غير المتخصصين في هذا المجال هي آراء مرفوضة . للأسف هذا ليس فقط منطق فكر الدكتور زاهي حواس ولكنه أيضا منطق فكر معظم علماء كلية الأزهر ، فهم أيضا عندما يسمعون رأيا مخالفا لآرائهم عن كتاب صحيح البخاري -مثلا- تكون ردة فعلهم مماثلة لردة فعل الدكتور حواس ، فهذه النوعية من السلوك يتبعه معظم علماء العلوم الأخرى في عصرنا الحديث فهو نتيجة طبيعية للمنهج العلمي الحديث الذي تسيطر عليه الرؤية الماركسية والتي تم بها كتابة جميع الكتب المدرسية في جميع بلدان العالم في عصرنا الحديث ، فهذه الرؤية الماركسية استطاعت أن تفصل جميع العلوم عن بعضها البعض، وقد ذكرها الله في قرآنه الكريم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) سبأ} ، واليوم نرى بأم عيننا الخلق الجديد للعصر الحديث والذي وصفته صفحات التاريخ (لم تعرف الإنسانية وحشية مثل وحشية قرن العشرين) والذي كانت نتيحته ولادة ظاهرة (الطفل المجرم) والتي لم تعرف الإنسانية مثلها من قبل ، فتحول الطفل من كائن مسالم بفطرته إلى كائن يرتكب جريمة قتل فهو كخلق جديد نتج عن الرؤية الماركسية .

لهذا أقول لكل من يستخدم هذا المنطق الماركسي ويسألني عن اختصاصي ، اختصاصي (فلسفة السلام) والتي للأسف لا تُدرس اليوم لا في كليات الفلسفة ولا كليات الشريعة ولا كليات علم النفس ولا في أي كلية من كليات جميع العلوم الأخرى ، لهذا والحمدلله لم يكن لي معلم أو أستاذ يُشرف على دراستي سوى الله عز وجل من خلال قوانينه التي وضعها في كل شيء خلقه في أنفسنا وما حولنا . فلو أن الشهادة العلمية تُقاس بعدد سنوات الدراسة لكانت شهادتي العلمية في اختصاص (فلسفة السلام) أعلى بدرجات عديدة من مرتبة (شهادة دكتوراه) . ولكن الحمدلله فأنا لا أتبع منطق الرؤية الماركسية وأسمع باهتمام لجميع المتخصصين وغير المتخصصين . فجميع أبحاثي التي تتحدث عن مواضيع تنتمي إلى علوم عديدة مختلفة ، هي في الحقيقة أبحاث تتعلق بموضوع اختصاصي وهو (فلسفة السلام) . ومقالة اليوم أيضا هي في الحقيقة من مقالات (فلسفة السلام) وليست من مقالات علم التاريخ وآثار الحضارة المصرية القديمة ، لهذا تبحث في اتجاهات عديدة ، ولهذا أيضا لا أذكر مصادر المعلومات ، فمعظمها من أبحاثي الخاصة ، أما المعلومات الأخرى التي ليست من ابحاثي الخاصة فهي معلومات بديهية بالنسبة للمتخصصين، فلا داعي - مثلا- أن أذكر مصدر معلومة أن بعد كوكب الزهرة عن الشمس يعادل ١٠٨،٢ مليون كم ، فهي موجودة في مئات الكتب .

ربما الكثير من القراء يستغربون سبب اهتمامي بقصة وصفات شخصية يوسف عليه الصلاة والسلام واعتمادي عليها في معظم أبحاثي ، فالمسلم قد يتساءل في نفسه لماذا لا يعتمد على قصة و صفات شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل. والمسيحي أيضا قد يتساءل لماذا لا يعتمد قصة وصفات عيسى عليه الصلاة والسلام الذي ولد من أم عذراء ورفض حمل السلاح في دعوته . واليهودي أيضا قد يتساءل لماذا لا يعتمد على قصة وصفات موسى عليه الصلاة والسلام والذي كلمه الله تكليما وكرمه بأن يكون رسول أول ديانة سماوية . لجميع هؤلاء الذين يتساءلون أجيبهم بأن أبحاثي تتبع تعاليم القرآن الكريم والكتب المقدسة بحذافيرها . وحتى أثبت لكم صحة كلامي هذا ، سأعرض لكم مثالا كإثبات من القرآن الكريم وفي الوقت نفسه له علاقة بموضوعنا الرئيسي :

الأمام الصادق عليه السلام ، ولد في فترة زمنية حرجة جدا من تاريخ الحضارة الإسلامية ، ولولا وجود الإمام الصادق ربما اليوم لما كان هناك حضارة أسمها الحضارة الإسلامية . ففي تلك الفترة شهدت الأمة الإسلامية خسارة فادحة أثناء محاولة فتح القسطنطينة في عهد خلافة سُليمان بن عبد الملك بعد حصارها لمدة أكثر من عام (عام ٧١٧ م) ، اليوم العلماء المسلمين يبررون سبب هذه الخسارة هو مناعة أسوار المدينة وكذلك استخدام البيزنطيين النار الإغريقية ، ولكن بعض كتب التراث الإسلامي ، وكذلك كتب التاريخ اليونانية تذكر أن عدد ضحايا الجيوش الإسلامية وصل إلى حوالي (١٧٠ ألف شهيد) معظمهم لم يُقتلوا بسيف الخصم ، ولكن بسبب الصقيع والثلوج والرياح الشديدة والجوع والأمراض . فقد شعر المسلمون في تلك الأيام وكأن غضب الله قد سقط عليهم فسخر كل عوامل الطبيعة ضدهم ولصالح البيزنطيين، وهذا لم يحصل مثله من قبل مع المسلمين . في تلك الفترة التي زعزعت هذه الخسارة الفادحة ثقة المسلمين بإيمانهم ، كان الإمام الصادق يصنع جيشا من نوع آخر ، جيش من العلماء سلاحهم القلم والمعرفة وليس السيف أو الرمح ، ليحقق به حلم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بأن تنتشر روح الإسلام إلى جميع الشعوب المجاورة بالعلم والمعرفة وليس بالسيف . فكلمة (إسلام) أصلها الحقيقي من كلمة (سلم وسلام) وليس من كلمة (تسليم) كما فسرها علماء الدين . هكذا كان مفهوم الإسلام عند جعفر الصادق الذي رفض حمل السلاح ، فكان في زمانه أكبر عبقرية على سطح الكرة الأرضية ، فإلى جانب علومه الدينيَّة ، كان عالماً فذّاً في ميادين علوم دنيويَّة عديدة، مثل : الطب ، والفيزياء، والرياضيَّات، والفلسفة، وعلم الفلك، والخيمياء والكيمياء، وغيرها . الطائفة الشيعية تعتبر الإمام الصادق هو مؤسس طائفتهم ، ولكن رأي علماء السنة والجماعة بأن الإمام الصادق كان مؤسس جميع الطوائف الإسلامية ، وهذا صحيح فالإمام الصادق لم يكن فقط إمام جميع الطوائف ولكن أيضا كان إمام جميع العلماء بمختلف فروع علومهم .وهو الذي بفهمه الصحيح لتعاليم القرآن والآحاديث الشريفة قاد الأمة الإسلامية إلى عصرها الذهبي . والتي أخذت جميع الأمم منها معارفها لتطور علومها بمختلف فروعها . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها ) ، الإمام الصادق هو أول مجدد في الدين الإسلامي ، حيث استلم إمامة مدرسة آل البيت بعد (١٠١) عام من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. فأحد رموز الحرف (ص) في سورة (ص) هو الإمام جعفر الصادق وهو الحرف الأول من كلمة (صادق) ، وعنوان السورة التي تسبقها (الصافات) المقصود بها هم الجيش الذي أسسه الإمام الصادق والذي يتألف من العلماء المسلمين بمختلف فروع العلوم ، جميع هؤلاء العلماء في ذلك الوقت رغم اختلاف آرائهم فيما بينهم كانوا يعملون كصف واحد من أجل ازدهار الحضارة الإسلامية لتقوم بتطوير جميع العلوم . لهذا يذكر الله أسم الرسول (أحمد) في الآية (٦) من سورة (الصف) ، والحديث الشريف يذكر (....وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة) . الحديث الشريف يتكلم عن فرقة الجماعة التي تتألف من صفوف عديدة تعمل بجانب بعضها البعض كصف واحد ، فكل صف من هذه الصفوف هو في الحقيقة زاوية رؤية من علم معين ، حيث بتوحيد هذه الزاويا نحصل على رؤية شاملة (البصيرة) والتي من خلالها نستطيع فَهم النصوص الدينية والوصول إلى الحقيقة . وقد ذكر الله هذا المبدأ في سورة يوسف {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ...... (٦٧)} . كل عالم ديني اليوم يطلب من المسلمين حمل السلاح للجهاد والدفاع عن الإسلام هو مسلم لا يفقه شيئا من الدين الإسلامي .

أحد القراء علق على مقالة ماضية تكلمتُ فيها عن الإمام الصادق عليه السلام، قائلا ( من هو جعفر الصادق لتجعل منه في مقام الصحابة ) ، لو بعث الله اليوم الأمة الأربعة (أبو حنيفة ، وأنس بن مالك ، والشافعي ، وابن حنبل )ورأوا أن معظم مسلمي السنة لا يعلمون من هو الإمام الصادق ، لقال هؤلاء الأربعة لأساتذة كليات الشريعة لمذاهب السنة والجماعة (نحن بريئون منكم) فالإمام أبو حنيفة والإمام مالك بن أنس كانا من تلامذة الإمام الصادق ، والشافعي كان تلميذ مالك بن أنس ، وابن حنبل تلميذ الشافعي ، فهؤلاء الأئمة الأربعة كانوا تلامذة الإمام الصادق بشكل مباشر أو غير مباشر . قال مالك بن أنس إمام المالكية: «وما رأتْ عَينٌ، ولا سمعت أذنٌ، ولا خَطَر على قلب بشرٍ، أفضل من جعفر بن محمّد الصادق، علماً، وعِبادة، وَوَرَعاً» ، قال حسن بن زياد: «سمعت أبا حنيفة و[قد]سُئل من أفقه من رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد ». أيضا لو بعث الله اليوم الإمام الصادق إلى طائفة الشيعة التي جعلته إماما لمذهبها، ورأى إلى أين وصل فهمهم للدين الإسلامي لقال لهم (أنا بريء منكم) . فللأسف الدين الإسلامي بجميع طوائفه كما هو عليه اليوم لا علاقة له بدين محمد صلى الله عليه وسلم ، لهذا يقف عاجزا في توحيد الأمة الإسلامية ، أو في حل أي مشكلة من المشاكل التي تعاني منها هذه الأمة والتي لا تحصى بسبب كثرتها .

الإمام جعفر الصادق عليه السلام هو صورة مصغرة عن النبي يوسف عليه السلام ، الذي وهبه الله كل شيء في أعلى درجاته . ولهذا يُعتبر عصر يوسف (عصر الاهرامات) من أكبر ألغاز تاريخ البشرية فهذا العصر ظهر من اللاشيء ووصل إلى القمة ، فهذا العصر هو أول حضارة روحية في التاريخ البشري، فحضارة عصر الاهرامات هي رمز ولادة الإنسانية فهذا العصر يُعتبر أول مرحلة من مراحل الطفولة في تاريخ البشرية . أما المراحل التي قبلها فتعتبر مراحل تشكيل الإنسانية كجنين داخل رحم أمه ، لهذا المصريون اليوم عندهم حق في شيء واحد فقط وهو أن بلاد مصر هي حقا أم الدنيا.

جميع هذه المعلومات التي أعتمد عليها في أبحاثي ، مذكورة في الكتب المقدسة وفي القرآن الكريم عندما نقرأها برؤية شاملة كما وصفها الله عز وجل في سورة المطففين {كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٢٠)يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١)} . الكتب المقدسة هي كتب وُضعت سورها وآياتها وكلماتها ضمن نظام رقمي ، فالكون بما يحتويه تم خلقه على نظام رقمي . وأول من وضع هذا المبدأ واعتمد عليه في أعماله هو النبي يوسف .

ما ذكرته هنا عن ظهور الدين الإسلامي وبداية تكوين الحضارة الإسلامية يفسر لنا بداية تكوين عصر الاهرامات في مصر . فسبب عدم رؤية هذه العلاقة من علماء العصر الحديث هو أن علماء التيار التقليدي نظروا برؤية مادية إلى أرقام التقويم اليهودي والذي يحدد عام خلق آدم وولادة الإنسانية عام (٣٧٦١ ق،م) ، لهذا ظنوا أن عام ولادة إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو عام (١٨١٥ ق،م) .ولكن هذا الرقم في الحقيقة ليس مدة زمنية ولكن رقم رمزي ، فهذا الرقم ينقسم إلى قسمين : الاول (١٥) والثاني (١٨) ، فإذا عكسنا مكانهما سنحصل على الرقم (١٥١٨) وهو القيمة الرقمية لإسم (يوسف) في الكابالا اليونانية، وكذلك هو القيمة الرقمية لعبارة (ابن يعقوب) بالكابالا العربية . العلاقة التناظرية بين الرقمين هي نفسها بين القيم الرقمية لأسم أحمد (٣٥٨) وأسم علي (٨٥٣). فاسم (ابراهيم) يعني أبو الشعوب وهو رمز آدم وكذلك هو رمز القسم الذكوري في الإنسانية . ولكن الرجل بشكل عام هو الرمز المادي للإنسانية ، ونسبة الشوائب الشيطانية في تكوينه أعلى من تكوين المرأة كون الإنسانية بدأت من نسل روح قابيل (إنسان نيانتردال) ، أما المرأة فهي من نسل روح هابيل . لهذا عيسى عليه الصلاة والسلام ولد من إمرأة فقط . فطبيعة الرجل أنه محب للقوة الجسدية والعنف والمعاشرة الجنسية ، أما المرأة فبطبيعتها أنها محبة للسلام وللعلاقة العاطفية .

فعندما ذهب ابراهيم إلى مصر كانت مصر في تلك الفترة هي مركز العالم القديم وشعب مصر كان مزيج من الشعوب الشرقية (آسيا) والشعوب الغربية (أفريقيا) ولكن القسم الجنوبي من مصر والذي يمثل رمز للقارة الأفريقية هو المسيطر على المنطقة كون القارة الأفريقيه هي رمز روحي لسلالة قابيل (الذكورية) حيث سكانها اهتموا بتطوير النواحي المادية فقط . أما القسم الشمالي من مصر فكانت روحيا من الشعوب الشرقية التي سكانها اهتموا بالنواحي الروحية ، وهذه الأمور الروحية كانت في بدايتها ولا تملك القوة لتواجه القوة المادية . لهذا عندما ذهب ابراهيم إلى مصر حوالي عام(٣١٣٠) قبل الميلاد ومعه معارف عديدة من علوم الشعب السومري ، كانت مصر في ذلك الوقت يحكمها ملك رمزه (العقرب) فأراد هذا الملك استغلال علوم ابراهيم لمصلحته الشخصية ، سفر التكوين يذكر أن ملك مصر أراد أن يجعل زوجة ابراهيم عشيقة له (١٥:١٢ وَرَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ، فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ) ، سارة زوجة فرعون هنا هي رمز علوم ابراهيم التي أتى بها من الشعوب الشرقية . فالقطع الأثرية التي يظهر بها الملك العقرب (الصورة) والتي يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الأسر، هي نقوش من علوم ابراهيم حيث يظهر بها رمز العقرب ورمز البقرة التي كانت تعبر عن نوعية روح ملوك مصر في تلك الفترة ، والتي لها معنى بأن نسلهم من البقرة زوجة الثور الذي يمثل شكل خريطة أفريقيا (الصورة) والتي لها شكل رجل له قرن وهو رمز الشيطان .

الله عز وجل منع الملك العقرب من استغلال علوم ابراهيم في خدمة روح الشيطان (سفر التكوين ١٧:١٢ فَضَرَبَ الرَّبُّ فِرْعَوْنَ وَبَيْتَهُ ضَرَبَاتٍ عَظِيمَةً بِسَبَبِ سَارَايَ امْرَأَةِ أَبْرَامَ) بهذه المساعدة الإلهية استطاع ابراهيم الخروج من مصر فذهب إلى مكة وبنى هناك الكعبة .

الله عز وجل وضع في مصر أسم يرمز للملك الذي أصله من الجنوب ، وهو أسم (أسوان) ، هذا الأسم نظر إليه علماء التاريخ والدين واللغة والجغرافيا نظرة مادية لم تساعد في فهم دور ابراهيم ويوسف وموسى عليهم الصلاة والسلام في مصر . فاسم (أسوان) كما يقرأه المصريون اليوم لا يعني شيئا . ولكن حتى نفهم المعنى الحقيقي لهذا الأسم يجب أن نقرأ حروفه من اليسار إلى اليمين كما تفعل الشعوب الغربية، فيتحول من (أسوان) إلى (ناوسا) ، هذا الأسم هو يوناني (Νάουσα) ، فهناك منطقتين في اليونان بأسم (ناوسا) ، هذا الأسم مصدره في اليونانية فعل (ναώ) ومعنا (يطفو ، يعوم) ، فأسم (ناوسا) معناه (العوامة) ، وهو وصف للمنطقة حيث نهر النيل فيها يكون واسع جدا وفيه جزر تبدو وكأنها تطوف فيه . ولها معنى مشابه لأسم اليونان القديم (إغريق) فشكل خريطة اليونان هي أيضا تبدو كانها جزر عديدة تطوف فوق الماء وتشكل بما يشبه رأس إنسان (الصورة) ولهذا أعطاها الله اسم (إغريق) من كلمة (غريق) . ولهذا كان جزاء فرعون الذي لحق قوم موسى أن يعاقب جيشه بالغرق ، كونه يحمل روح ملك العقرب الذي أصله من جنوب مصر . فليس من الصدفة أنه عندما أصبحت الحضار المصرية تحت سيطرة ملوك الجنوب أن حضارة يوسف انتقلت من مصر إلى اليونان كونها هي أيضا المنطقة التي تتصل بالشعوب الشرقية مثلها مثل مصر تماما . ولهذا اليونانيين هم من وضعوا نهاية الحضارة المصرية القديمة لتبدأ مصر تاريخ جديد معروف باسم عصر البطالمة. فيوسف هو أول إله حورس في مصر للقديمة ، أما اسكندر المقدوني فمعروف عند بعض المصريين القدماء بأنه آخر ملك أخذ دور إله حورس في تاريخ مصر القديمة .

إذا لم نفهم دور ابراهيم عليه السلام وما حدث معه في مصر لن نفهم شيئا عن عصر الاهرامات . فدور ابراهيم كان أن ينقل معارف الشعوب الشرقية إلى الشعوب الغربية التي اعتمدت على معارف سلالة قابيل فقط ، فكانت معارفهم مادية بحتة هدفها فقط تأمين الحاجات الجسدية ، أما علوم ابراهيم فكانت معارف روحية ، فذهاب ابراهيم إلى مصر كان من أجل توحيد النوعين من المعارف لتأمين جميع الحاجات الإنسانية ، ولكن الملك العقرب بقوته الجسدية منعه من تحقيق هدفه فاضطر ابراهيم للخروج من مصر . لهذا أرسل الله يوسف الإنسان الوحيد الذي روحه ولدت في الجنة ، ليقلب الأمور في مصر رأسا على عقب فقام بتوحيد مصر الجنوبية مع مصر الشمالية وجعلها تحت سيطرة مصر الشمالية ، فما فعله يوسف في مصر هو إنذار إلهي لجميع الشعوب الغربية التي تعتمد على القوة المادية ، بأن قوتكم هذه التي تفتخرون بها هي لا شيء بمقارنتها بالقوة الروحية ، لهذا أنشأ يوسف في مصر حضارة لا يزال العلماء حتى اليوم عاجزون عن فهم مصدر تلك القوة التي استطاعت أن تنقل أحجار ضخمة تزن عشرات الأطنان لمئات الكيلومترات وأن ترفعها فوق سطح الأرض عشرات الأمتار ، وأن تصقل أقسى الصخور لتجعل منها تماثيل ومسلات أسطحها ملساء كالمرايا . الله من خلال عصر الأهرامات أراد أن يقول لجميع أولئك الرجال الذين يعتقدون أن القوة الجسدية هي الأرقى وأن المادة أصل كل شيء بأن يوسف استخدم يد المرأة كرمز وصنع بأدوات بسيطة ما لا يستطيع الرجال أن يفعلوه حتى في أحلامهم ، فوحدات قياس المسافات التي استخدمها الشعب المصري القديم هي قياسات يد إمرأة (الذراع ، الكف، الأصبع) لأن النساء هم الرمز الروحي للإنسانية ، أما الشعوب الغربية فاستخدمت قدم الرجل كوحدات قياس، لأن الرجال هم الرمز المادي للإنسانية . يوسف عندما سيأتي في آخر الزمان بأسم (المهدي) سيجعل الدول العظمى التي تسيطر على مصير جميع الشعوب اليوم بفضل قوتها المادية ، تشعر بأن جبروتهم هذه هي لا شيء على الإطلاق أمام علوم وقوة يوسف الروحية. فالعالم اليوم يعيش مرحلة مشابهة تماما لتلك المرحلة التي كان شعب مصر القديم يعيشها قبل دخول يوسف إلى مصر.

أيضا منطقة مكة في عصر الجاهلية كانت تعيش بنفس المرحلة التي كانت تعيشها مصر القديمة ، فأرسل الله محمد صلى الله عليه وسلم فمحمد كان مثل ابراهيم ، هدفه تنمية التطور الروحي للإنسانية لهذا رفض استخدام العنف وصَبر على اضطهاد رجال قبيلة قريش له ، ولكن أتباعه المسلمين لم يستطيعوا الصبر مثله فأرسل الله معه ابن عمه علي عليه السلام، وعندما وصل علي إلى عمر (٢٥) أوحى الله إلى نبيه بتأسيس جيش يدافع عن المسلمين ، لهذا أهداه محمد صلى الله عليه وسلم سيف معروف بأسم (ذو الفقار) مقدمته محززة إلى قسمين ، ليكون هذا السيف كرمز مناقض لسلاح العقرب (الملقط) الذي يمسك بها فريسته ليقتلها والذي هو رمز سلوك الملك العقرب في مصر ، أما سيف ذو الفقار فله معنى أن سلاح المسلمين الحقيقي هو النوعين من العلوم : العلوم الروحية والعلوم المادية والتي بهما ستساهم في تطوير التكوين الإنساني ، وهذا المعنى تحقق في الجيل الخامس من أحفاد الرسول عند استلام جعفر الصادق عليه السلام لإمامة مدرسة آل البيت حيث أنشأ جيشا من العلماء بمختلف العلوم سلاحهم القلم .

عندما دخلت الرؤية الماركسية قبل قرن تقريبا عن طريق الإنفتاح العلمي الذي حدث في مصر ، هذه الرؤية ساهمت في تنمية الفكر التعصبي في شعبها ليخلق جيلا جديدا منقسما إلى قسمين : جيل يعاني من تعصب ديني فكانت نتيجته ظهور (حسن البنا) ابن عالم ديني مختص بعلم الحديث ، حيث فهمه الخاطئ للدين الإسلامي دفع أبنه حسن البنا إلى تأسيس حزب سياسي ديني (حزب الأخوان المسلمين) الذي يحمل شعار سيفين وكلمة أعدوا ، فكان هذا الحزب بمثابة الشجرة التي نثرت بذورها في جميع الدول الإسلامية لتتطور وتتحول إلى منظمات إرهابية تستخدم الدين في تحقيق أهدافها السياسية . أما القسم الثاني فكان تعصبه قومي حيث أهمل قوميته العربية وأصبح يفتخر بأصله الفرعوني فرفعوا الممثل محمد رمضان إلى عرش السينما العربية . في هذه الظروف الفكرية الحرجة التي كان يعيشها الشعب المصري شاءت الأقدار أن ياتي إلى مصر طفل بلجيكي يدعى (روبرت بوفال) ليعيش مرحلة طفولته ومراهقته في مصر ، ثم يغادرها ليعود إليها ثانية وهو يحمل شهادة مهندس مدني ويرى الأهرامات ثانية ، ثم يؤلف كتاب بعنوان (سر حزام أوريون) يدعي فيه أن الاهرامات ليست فرعونية وأنما يعود تاريخ بنائها إلى عام (١٠٤٥٠) قبل الميلاد ، كتابه هذا أحدث ضجة عالمية ، فكان روبرت بوفال وكأنه بهذا الكتاب يقول للمصريين والعالم أجمع وخاصة لعلماء التاريخ (إستيقظوا.. فعصر الأهرامات أرقى بكثير من معلوماتكم السطحية التي تعرفونها عنه) . وبدلا من أن يستيقظ علماء التيار التقليدي ليروا حقيقة عصر الاهرامات ، اتهموه بأنه ماسوني وأنه يعتمد على علوم مزيفة لا يعترف بها المنهج العلمي الحديث .

ولكن الرقم (١٠٤٥١) المذكور في سورة يوسف تم تحديده بناء على عام ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام وليس ميلاد النبي يوسف . وكذلك هناك ملاحظة هامة وهي أن عدا عن أهرامات مصر هناك أيضا أهرامات الصين و أهرامات المكسيك موجودة في نفس وضعية إصطفاف أهرامات مصر (الصورة) . ومن طبيعة بنائها وشكلها العام يظهر تماما بأن بنائها قد تم بعد أهرامات مصر بقرون عديدة . فوجود أهرامات الصين والمكسيك تؤكد أن بناء أهرامات مصر لم يحدث في عام (١٠٤٥١ ق،م) كما اعتقد روبرت بوفال ، ولكن تخبرنا عن شيء عظيم يخص الإنسانية بأكملها قد حدث في عام (١٠٤٥١ ق،م) حيث كانت فيها مواقع نجوم حزام أوريون مطابقة لمواقع أهرامات مصر . القرآن الكريم وضع هذا الرقم في سورة يوسف ليكون دليل إلهي له معنى بأن عيسى هو يوسف أو بشكل أدق هو (نصف يوسف) حسب دوره كنبي ورسول ، أما دور النصف الآخر من يوسف فقد قام به اسكندر المقدوني (ذو القرنين) لأن يوسف لا يستخدم السلاح والعنف . لهذا نجد أهرامات الجيزة الثلاثة تشكل مع بعضها البعض شكل الرقم (٨٨٨) وهو القيمة الرقمية لأسم عيسى (ΙΗΣΟΥΣ) في الكابالا

في المقالة القادمة إن شاء الله سننكلم عن الحدث الذي حصل في عام (١٠٤٥١ ق، م) وسنشرح علاقته بعصر الأهرامات وميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام.... والله أعلم .

وسوم: العدد 907