أحبك يا غزة

وائل بن إبراهيم بركات

أحبك .. ومهما استشعر الشعراء ، واستنثر الأدباء ، وترجم المترجمون ، وخطط المخططون ، وسيس السياسيون ، فلا يستطيعوا التعبير عن حبك .. تتوه الجمل والعبارات والكلمات وتصاب ألسنتهم بلكنة أو عجمة .

أحبك ففي كل شبر من أرضك تبذرين الحب ، وتزرعين الحب وتحصدين الحب ، وتبنين الحب ، فإذا أرضك ارض الحب والعطاء والجمال .. أرض ترويها دماء الشهداء .. في كل حفرة يحفرها صاروخ الأعداء تنبت سنبلة العطاء ، وشجرة الوفاء ، ووردة الإخلاص .

أحبك يا غزة .. أحب كل شيء فيك ، الهواء والتراب ..الدمار والخراب .. الأشجار والطيور .. الحجارة والميناء .. الشوارع والزقاق ، أحبك يا غزة رجالا ونساء وأطفالا ، وأحب كل من يحبك ..

أحبك يا غزة .. أحب تاريخك المشرق المتلألأ في الماضي والحاضر والمستقبل ، فأنت غزة الحضارة ، وغزة الأصالة ، وغزة البناء ، وغزة الشهامة ، وغزة المجد ، وغزة الاستعلاء وغزة البركة .

أحبك يا غزة فصواريخك فرح تراه عيوننا ، وزمجرتك لحن تستسيغه آذاننا ، وخطواتك نبراس يضيء حياتنا ..

أحبك يا غزة فحصارك وهم ، فأنت من تحاصرين العالم كله ، ونحن المحاصرون بالوهن والذل والضعف والهوان ..

أحبك يا غزة فشلال نزيفك ليس دما بل مسكا ينعش النفس ، ويشحذ الهمم ، وينشر الثبات.

أحبك يا غزة فها هم أبناؤك وبناتك يرحلون إلى أجواف طير خضر تسرح في الجنة ، والكل يكمل مشواره بلا حصار ، بلا دماء ، بلا ضجيج ، كل حسب أمانيه، وما تلذ عينه.

أنت غزة التي نسجت حريتها بيدها ، فلم تستعطف أحد ، ولم تستجد أحد ، حرة كريمة عفيفة شامخة ... وبنت وجودها من دماء شهدائها ، وشموخ أيتامها ، وصبر أراملها ، واستبسال رجالها ، ومساعدة نسائها ، واسترجال أطفالها ، وتربية آبائها ، ومعنويات أمهاتها ، وتضحيات بناتها .

أنت معجزة في الثبات والتحدي والصبر والصمود وقوة الإيمان والثقة بالله سبحانه ..

أنت معجزة في المشاعر فقوانين الأفراح والأحزان فيك غير التي نعهدها ..

أنت معجزة في الحرية والكرامة والإرادة والقوة والحكمة وحسن التخطيط والتصرف ..

أنت معجزة في استشراف المستقبل .. الأمل والتفاؤل والبشائر والنصر والتمكين ، وإحقاق الحق وسحق الباطل . ..

أنت معجزة في الموت والحياة .. فالأخبار التي تنقل أعداد شهداؤك هي نفسها تنقل أعداد الموتى في الإيدز والإيبولا والكوليرا .. فالموت واحد فهنيئا لك ميتة الشرفاء .. وحسن الختام . والأخبار التي تنقل مناظر البيوت المهدمة بفعل الإجرام الصهيوني هي نفسها التي تنقل أخبار الزلازل والبراكين والأعاصير، فالدمار واحد ولكن بيوتك ومنازلك وشوارعك شامخة تعلن كبريائها وكرامتها عن السقوط ..

أنت معجزة فوق الأرض وتحت الأرض ..

أحبك مرددا مع الإمام الشافعي :

وإني لمشتاقٌ إلى أرض غزة                  وإنْ خانني بعد التفرُّق كتماني

سقى الله أرضاً لو ظفرت بتربها              كَحَّلْتُ به من شِدَّة الشَّوقِ أجْفاني

أحبك يا غزة ومن قال لا أحبك فهو ظالم لنفسه ، جاهل بمفردات الحب والجمال والعشق .

من قال لا أحبك فقد نحر نفسه بسكين العبودية لغير الله ، وشنق نفسه بحبل الذل المستورد من هنا وهناك ..

من منا لا يحب غزة ولا يعشقها  ولا يذوب في هواها ولا يهيم بها .

من لا يحبها ليس له مكان في الأرض وتحت السماء وبين ثنايا التاريخ ، وسجلات الوجود .. فليرحل عن الأرض ، أو يصعد إلى الفضاء ، وليخرج من التاريخ ، وليخلع نفسه من الوجود ..

من قال لا أحبك عاش شقيا ، ومات تعيسا .

وسوم: العدد 1055