واقع الصّورة أم صورة الواقع..

لطفي بن إبراهيم حتيرة

واقع الصّورة أم صورة الواقع..

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

أصبحنا في مجتمعنا العربي نخضع لحكم الصّورة التّي تعرض علينا في وسائل إعلام مسيطر عليها و منحازة لطرف دون طرف, وتدّعي الحياد والموضوعيّة وهي منغمسة في وحل التبعيّة و التذ يّل, منطرحة في عفن الذّاتيّة والأنانيّة.. قنوات تمارس دعارة المهنة وتتاجر بوقاحة الكلمة والصورة.. قنوات بغي وفساد تحرّكها عصابات القتل المعنويّ والتدمير الرّوحي بنشر الانتحار النفسي ونشر الفساد المجتمعيّ.. صورة مشكّلة بعناية ومدروسة ومخطّط لها بعقول شيطانيّة خبيثة.. صورة تعكس نواياهم الهدّامة ومخطّطاتهم الملآنة حقدا وغيضا على كلّ شيء إسلامي مهما كان وإن كان  منحرفا زائغا عن الدّين القويم وعن الطريق السويّ والصراط المستقيم.. حقد دفين وكراهية لما هو إسلاما وإن كان إسلاما غربيّا, يساريّا يرتدي جبّة الديمقراطية وعباءة العلمانية...

صور تتكرّر وتتكرّر حتّى صارت بحكم الواقع المعاش.. صّورة مركّبة, مزيّفة تعكس وجهة نظر أصحابها الذين يريدون فرضها على النّاس وخلق تركيبة تتناغم مع أفكارهم و تتماهى مع مخطّطاتهم.. والمؤسف حقّا ثمّة الكثير من بسطاء الفكر و بسطاء التفكير أخذته الصّورة وسحرته فغيّبته وأصبح يتعامل معها كأنّها هي الواقع الفعلي.. على ضوئها يدرس ويخطّط وفي ظلالها يفكّر ويحلّل ويبني.. وهو لا يدري أنّه يبني مستقبلا منهارا ويشيّد صرحا باطلا زائفا من ورق على ربوة عارية..

أمّا الواقع المعاش الحقيقي والفعلي فصار مغيّبا وغائبا.. واقع بكلّ إشكالاته وإشكاليا ته وبكلّ تشعّباته وتغيّراته وتجلّياته صار عدما وصنما لا يعبّر عن مجتمع  و لا عن تجمّع ولا عن إرادة شعب وطموح أمّة.. الواقع صار بليدا والإنسان فيه متبلّدا.. الواقع أصبح خلفيّة منسيّة, مخفيّة وراء واقع مزيّف,خادع..

وأمّا الصّورة فأصبحت هي الواقع الذي نعيش فيه والمجال الذي نتحرّك بين جنباته فتاهت خطانا وزلّت بنا أقدامنا وفقدنا الرؤية الواضحة, وتخلّينا عن المنهج الصحيح وصرنا نمشي على خشبة تتراقص بنا وسط بحار هائجة مائجة, بين ضباب مخيّم ودخان كثيف, تسوقنا الرياح وتلعب برؤوسنا الأقداح.. تراكمت علينا المحن و الفتن وتزاحمت علينا الأمم كما تتزاحم الأكلة على قصعتها و نحن غثاء كغثاء السّيل.. لا من قلّة ولا من  فقر وحاجة..

صارت عقولنا مناطق قاحلة, وأصبحت قلوبنا أماكن مجدبة  وحقولا بائرة, ومزارع متربة خاوية.. صرنا نهذي و نغنّي ونرقص

نخب موتانا ونشرب دماء جرحانا ونعلّق على بيوتنا أشلاء ضحايانا.. صدّقناهم حين قالوا لنا" الرّبيع العربي", ولا ربيع  ولا ورود ولا طيور بل خريف مرير,كئيب وحزين..حروب دامية  طاحنة وغربان ناعبة وبوم ناعق وأنظمة منهارة ودول مفلسة و حكومات فاشلة, خانعة وبطالة متفشّية وفقر متزايد وعراء وتعرّي ورشوة وفساد و مجتمعات لا تدري أين تتّجه ولا أين تتوجّه ..انحلال أخلاقي وتخلخل فكري نفسي وتخبّط مادّي.. لا مبالاة ولا وعي بذات ولا معنى ولا مبنى ولا زاد..

 فمتى نعود إلى رشدنا ومتى يعود إلينا رشادنا؟؟..