يوماً مـا

مرام شاهين

نهاراتٌ رتيبة .. يتساوى فيها العدلُ و الظُّلم ، الولادةُ و الوفاة ، الحزنُ والفرح ..

لا فرقَ فيها بينَ رائحةِ الخبزِ والدّماء .. صوتُ الحافلةِ و رشّاشاتُ المدافع !

تعكسُ النافذةُ مساءً صورةَ شارعٍ فيه من الفقرِ و الغنى و الكهولة و الشّباب والرجولةِ و الجُبن ما يجعلُ العينَ تسبحُ لا تسلكُ بين موجاتِ هذا الأفقِ خطّاً مستقيماً .. تصطدمُ بذاكَ الكهلِ يجمعُ من القمامةِ غذاءً ، على الطّرف المقابلِ فتاةٌ تخرجُ من سيارةٍ فارهة تودّعُ حبيبها المسافرَ بعد ساعتين بالطّائرة ليقيمَ في أغلى الفنادقِ ، يرتدي حذاءً يلمعُ وسطَ الظّلام ، يُغري بساعته الذّهبيّة موظّفاً فتّشَ كل الحقائبِ إلا حقيبته !

سيّارةٌ أخرى تسيرُ بمحاذاتها بنيّةِ السّفرِ ذاتها تحملُ الاسمَ ولا تحملُ وصفَه !

يقودُها ربُّ الأسرةِ لا يعبأ بطولِ الطّريق و لا بكثرة الحقائب بقدرِ ما يعبأ بنقطة تفتيشٍ حدوديّة يكتظًّ فيها الأشخاص ، يتململُ فيها الصّغار ، يتأوَّهُ الكهلُ من حرّ شمسِ الظّهيرةِ  و طول الانتظارِ حتّى تغيب .. تتزاحمُ الأمّهاتُ على الدّكان سياحيّ الأسعار ، تريدُ أن تشتري قارورةَ ماءٍ تروي ظمأ أطفالِهـا ،  تنفذُ الجيوب من النّقود .. إنها ضريبةُ الحصولِ على تأشرةِ دخولٍ لا يفصلُ بينَ الخروجِ كمغادرٍ ليس يحملُها و الدّخولِ كقادمٍ قضى من السّاعاتِ جُلّها حتى يمتلكَها سوى لافتةِ  ( أهلاً بكم )  

كلّهم في النهاية متساوون في وجودهم تحتَ سبعِ سماوات ، ينيرُ مساءَهُم قمرٌ واحد ، يخضعونَ إلى إرادةِ إلهٍ واحد ..

تَرى بعضَهم يُضرَبُ بسَوطِ تَعدادِ الفقر الأخيرِ دونَ الآخر !

و ترى حروفَ أحدِهم تُكبَّلُ بسلاسلِ السّجانِ دونَ الآخر !

ويحَ نفسي .. حتّى متى ؟

تجيبُ أشعّةُ الشّمس : حتى ذلك اليومِ الذي سأشرقُ فيه ملوّنة !

أيُعقلُ ذلك ؟ نعم يا صديق !

يوماً ما ، سيوقظكَ ابنكَ بقُبلةٍ على الجبين .. يهنئكَ و صوتُ تكبيراتِ العيدِ تضجُّ في الأركان ، تُيمّمانِ الشّطرَ نحوَ الأمويّ في رحابه تصلّيان ، يختلط صوتُ الشّيخ و هديلُ الحمام ، تنسابُ ( الله أكبر ) نسيماً عليلاً يداعبُ الوجنتين ، يقودكَ في المساءِ جنوباً إلى ثالث القبلتين .. تتلاقى و باحاته والغروب ، بطقوسِ عيدٍ مسائيَّةٍ تجمعُ الأبيضَ و الأسودَ في فرحةٍ واحدة يتقامسان الحلوى و النّشيد ..

الأحلامُ الملوّنة .. ليست بعيدةَ المنال !

أن تتخيَّل نفسكَ بعدَ ذاكَ العيدِ تشدُّ الرّحالَ كلَّ يومٍ إلى جهة ، لا يُثنيكَ شيءٌ عن إمضاءِ فجركَ على شطِّ بحرِ الخليج  وعصرِ يومكَ في منتزهٍ مطلٍّ على الفرات أو في رمضاءِ المغرب -لا فرق-  ومسائكَ في بيتِ الله الحرام !

يوماً ما ..

ستُلقي الطَّرفَ عبرَ نافذتكَ إلى شمسِ الصّباحِ و تجدُها ملوّنة

ستقرأُ في أشعّتها كلَّ أماني الأطفال ..

لن تحتاجَ إلى آلةِ تصويرٍ تحتفظٌ بقوسِ قزحٍ إذ زارَ سماءَ البلاد ، لأنّهُ سيرتسمُ كلَّ فجر بعددِ من نام في العراءِ عندما انهالت في الأمسِ حبّاتُ المطر ، بعددِ الأناملِ التي خطَّت من حروفها .. أملَ غدٍ جميل ...

سيأتي ...

كن على يقين !