هويتي

هويتي...

نافز علوان

لوس أنجليس

 هويتي هي قضيتي ومن هنا بدأت حكايتي. في الطريق إلي بلدتي وجدت أبي وخالي وأمي ومعهم جدتي يحملون معهم كل حوائجنا من دلة القهوة وسجادة الصلاة وكوفية كانت قد حاكتها لي المرحومة عمتي وبعض من أدوات المطبخ من ما كان في المنزل الذي عاش فيه جدي وأباه وجده وفي ساحته رقصت جدتي بالسيف في عرس والدي وحلفت بشعرها الأبيض إلا وأن ترقص في عرسي علي إبنة خالتي.

بدأنا رحلتنا منذ أكثرمن ستين عاماً مات خلالها أبي وأمي وخالي إلا أن الغريب أن آخر من مات هي جدتي. كانت متشبثة بحلم العودة وكنت أداعبها قائلاً ألا زلت تحلمين بالرقص في عرسي يا جدتي؟  ماتت. وماتت أيضاً إبنة خالتي والتي تزوجها رجل صالح من بلدتي في المخيم الذي كان عنوان لجوئنا والذي ولدت فيه أمي أصغر إخوتي.

لا زلت أذكر الدار وبوابتها العتيقة والتي كان آخر عهدي بها مشهد والدي يودعني ودموع أمي تبلل الخدين الكل كان يبكي حتي إبنة خالتي إلا جدتي كانت صلبة كالعكاز الذي في يمينها وهي تقول هالله هالله بدروسك وترجعلنا بأكبر شهادة  آه رحمة الله عليكي يا جدتي. منذ ستين عاماً كانت الشهادة ولا تزال في جيب الجاكيت العتيق الداخلي والذي كنت أتدرب خلال الطريق العتيق إلي بلدتنا علي كيفية إخراجها لتكحل عينها بها جدتي ومرت السنين ولست أدري لماذا لم تتكحل عين جدتي بمشاهدة شهادتي.

ها أنا إبن الثمانين ونيف وأصغر بكثير من السن التي ماتت عليها جدتي وأحس بحنين شديد إلي بلدتي وكم أود أن أموت فيها ولكن حتي ذلك ليس بالمستطاع يا حسرتي.  قال لي موظف الجوازات الإسرائيلي أنت ألماني الجنسية ولا تستطيع البقاء أكثر من تسعين يوماً وبالمناسبة البلدة التي تتحدث عنها ليست بلدتك اليوم بل هي بلدتي ولدت فيها وأعيش فيها أنا وأولادي وزوجتي.  حملت عكازي وجواز سفري في يدي وقررت العودة إلي بلد جنسيتي.  إستوقفني صوت موظف الجوازات الإسرائيلي وهو يقول إلي أين؟ ألا ترغب في الدخول؟  نظرت إليه  وقلت لا. لا أرغب في الدخول واشكرك لأنك نبهتني إلي أن يجب أن أموت وأدفن بجوار جدتي.