شهوة الغرق...!

سمر مطير البستنجي

شهوة الغرق...!

سمر مطير البستنجي

وحيث الدمع يجتاحني فينخر ذرّاتي ويحلّل تجمُّعي حتى ذابَ به أكملي !

 وحيث الغَرق يهدّد سفينة الرّوح ويتوعّد !

 دَعوتُ أن يا سَمائي أقلِعي ، فاستوَتْ على اليَباسِ سفينتي واستقرّت، ونجوتُ أنا.

نجوتُ..!

نجوتُ إلاّ قليلا...

نجوتُ لولا أن كل ما حولي يذكرني به، يوسوس لي بحبّه، ويُحرّضني عليه..فتقودي شهوة الغرق به اليه..فأبكيه ولها، شوقا، حنينا،عتابا...أبكيه بغزارة فأغرق من جديد وأعاود الغرق.

نجوتُ...لولا مسامير الحظّ التي تَخرُم أنابيب الجسد فتنزّ بغزارةٍ ، بمرارةٍ بكثافةٍ فأعاود الغرق..

وأغرق...

وأغرق.....

فسُحقا للاحيلة تَعتريني...

وتبّا لهشاشة تجزّ الثَّباتَ وتهدّل ملامحي وتعبث بتضاريسي حتى خشيتُ أن أعرَف بها بين قبائل النساء..

تصنّعتُ القسوة ،ومارستُ بحزمٍ غَطرسة الجفاف، فأقلع دمعي، وجفّ عمقي حتى كاد طيني من فَرط اليَباس أن يتشَقّق .

 وكيف لي الآن وفي ظلّ هذا الجفاف أن أروي عطش الصَّحراء الكبرى العارية المُمتدّة في شاسعي؟

تباً..!

لا زلت أتخبّط بين إرادة الجفاف وشهوة الغرق...

وعبثا أتماسك ..!

وحنيني اليه يعصِف بذرّاتي ويثير فيّ زوابع الأمس..

وعمقي الفارغ يَشتهي الإمتلاء به ،وبحورعينيه تُناديني ، وحلاوة ريقه تُغريني لأرتكب حماقة الغرق..فأبكي وانتحبُ وأتبتّل أن جودي يا عَينيّ بالمزيد كي أغرق.

وأبقى رغم وفرة ماء العين عَطِشَة..وعُمقي يأبى الإمتلاء إلاّ من نَميره..

وأبقى دونهُ في عطش..

مخلوقة من ماء وتراب أنا.. قد اختلّت نِسب التَّكوين فيّ مُذ هجرني فارتبك كلّي، وتداخل بعضي ببعضي...

وهذا الضِّلع الأنثويّ قد ازداد من عَوز اللِّينِ ومن فَرط الجَّفاف انحناءا ،فراح يَنكأ في الضلوع ويهدّد ،حيث لا استقامة لهُ إلاّ بك، إلاّ بك..

وهذا الشاهد في يميني ما انفكّ يُشير نحو بوصلة الرَّحيل،بعد أن جفّ طين أنمُلتي حوله فتشقّق.

فَزِنْ يا حبّة العينين مكوّناتي بميزان حِكمتك ...وأمطرني مطرا لا لَوثةَ فيه ، كي يعتدل جَذعي ويستقيم ...فما أنا إلاّ كسعفٍ غزَاهُ الشتاء فباتَ يُقارع مَطارق القطرات وفؤوس الريح حتى التصَق بجذع الليّنةِ وغفا ينتظر ربيعا آخرَ كي يستفيق..

قاوم مشيئة العصيان،واكسر جِرار انتظاري.. وحلّق فوق أفيائِي غيما يحمل البشرى بسُقيا خلود ..وكن تَوليفة تجمع بين خُضرتك وشوكِي..

اكسر طينَ الجفاف المتحوصِل حول رئتيّ كي أتنفّسكَ بقوّة تُنعش فيّ أسباب الحياة...ولا ترمي بي بين مناجل العمر المحصود فأتهشّم..ولا تسكب أقداح آثامكَ على جذعيَ النازف بغزير الدَبَق فيغدو مرتَعاً لديدان الحقل .

اسقني من فيضك كأساً دِهاقا..

وتدفّق برقّةٍ ولا تُماري في الغرق فتُلقي بي في خُلجان المنفى ، فلستُ أُجيد العومَ ، لستُ أجيد العوم.

لا تماري وزِنها بالفِسطاط المُستقيم وارمِ لي بأطواق النجاة..

فلا زلتُ تلك التَّائِهة بين عَوز الليِّنِ وقَسوة الجفاف ، وشهوة الغرق.