الحقد الأعمى

د. هشام رزوق

منذ بدء انتفاضة الشعب السوري السلمية التي طالب بها بالحرية والكرامة، كان تعامل النظام معها ينم عن حقد وكراهية ولؤم لم يشهد لهم التاريخ مثيلا لا قديمه ولا حديثه.

فمنذ اليوم الأول الذي صدحت فيه حناجر المتظاهرين في شوارع درعا وقبلها بأيام في قلب دمشق تستنكر الظلم والذل الذي يتعرض لهما الشعب، كان إطلاق الرصاص الحي هو الجواب المباشر الذي استخدمه النظام ضد المتظاهرين السلميين.

في البداية كنا نقول أن استخدام هذا الأسلوب هو محاولة من النظام لتخويف الناس وردعهم ومنعهم من التظاهر وكسر إرادتهم، لتستمر ممارساته القمعية كما كانت ويعود الناس إلى بيوتهم صاغرين.

حين لم ينفع الرصاص في قمع المتظاهرين، أصبح القتل يطال ليس فقط من يتظاهروا بل يشمل عوائلهم وحاضنتهم الشعبية، فتعرضت أحياء بكاملها للقصف والتدمير وبشكل عشوائي، كنوع من العقوبات الجماعية لكل من يدعم الانتفاضة ويقف إلى جانبها.

دمرت أحياء في درعا وحمص وحماه وإدلب ودير الزور وحلب، وقرى في ريف تلك المدن كلها، ثم بدأت المجازر الوحشية لتطال المدنيين والأطفال والشيوخ، وبشكل وحشي.

ترافق هذا القتل كله مع الاعتقال العشوائي لعشرات الآلاف من الشباب في كل المدن الثائرة والمنتفضة، والاعتقال هنا يعني التعذيب بأقذر الأساليب الوحشية والهمجية، التي تعبر عن سادية ليس لها حدود وكراهية قل نظيرها من قبل حاكم ضد شعب من المفروض أنه شعبه وعليه حمايته.

كل ذلك ترافق مع حملة تهجير ممنهج وتفريغ للقرى والأحياء التي تحتضن شباب الثورة والمنشقين عن الجيش النظامي.

ثم تفتقت عبقرية النظام عن نوع آخر من الحرب على الشعب وهي حرب التجويع، فلا طحين ولا وقود ولا مواد غذائية للقرى والبلدات والأحياء المنتفضة، ثم وأخيرا أصبح الهدف السهل هو قصف طوابير الناس البسطاء المصطفين أمام الأفران والمخابز القليلة التي بقيت صالحة للاستعمال، يصطاد منها عشرات بل مئات الأطفال والنساء والشيوخ الجائعين يوميا.

هذا دون أن ننسى قصف العيادات الميدانية بما تمتلكه من إمكانيات طبية بسيطة وكميات قليلة جدا من الأدوية يستخدمها بعض الأطباء المتطوعين في تخفيف آلام عشرات الجرحى من المدنيين والعسكريين الذين يسقطون برصاص الجيش النظامي العشوائي يوميا.

والآن يستخدم النظام القاتل صواريخ سكود والأسلحة الكيميائية والغازات السامة ضد الشعب (شعبه).

لماذا قصف المقابر والتمثيل بجثث الموتى والرقص فوقها؟ لماذا تعذيب المعتقلين حتى الموت؟ لماذا انتهاك الأعراض واغتصاب النساء والفتيات؟   لماذا قصف الأفران؟ لماذا قصف المستشفيات والمستوصفات؟ لماذا حرق المحاصيل الزراعية؟ لماذا دك القرى والبلدات والمدن بالصواريخ والقذائف والطائرات الحربية والغازات السامة؟ أهكذا هي حماية الشعب من العصابات المسلحة؟

كل تلك الأساليب تعبر عن شيء واحد فقط وهو ان هناك حاكما ونظاما يكره شعبه ويحقد عليه لأنه تجرأ وانتفض ورفع صوته مطالبا بالحرية والكرامة، إنه الحقد الأعمى الذي لا يدخل في أي باب من أبواب الخلاف السياسي أو محاربة العصابات.

إنها حرب ضد شعب منتفض يخوضها نظام لا يمكن أن يكون منتميا له أو أنه منه. أنها التعبير البدائي عن الحقد والكراهية والهمجية التي تسكن في راس الأسد ورأس زبانيته ومسؤوليه العسكريين والأمنيين، وهي حالة فريدة في التاريخ أن يتعامل حاكم مع ابناء وطنه وشعبه بتلك الطريقة، مما يفرض الاعتقاد بأن هذا الحاكم وهذا النظام لم يكن ينتمي لهذا الشعب ولا لهذا الوطن يوما إلا بمقدار سيطرته عليه بأسلوب المراوغة والخديعة والقوة والتآمر مع أعدائه.

إلا أن هناك شيئا مؤكدا وهو أن الشعب الذي يثور على طاغية ما فإنه منتصر لا محالة وسينهزم الطاغية وسيرمى في مزبلة التاريخ ملعونا من الجيل الحالي ومن الأجيال القادمة، وإن كل أساليب القتل الوحشية والهمجية لن توقف عجلة التاريخ ولن تعود الأيام إلى الوراء، فليفعل الطاغية ما يريد وليقتل كما يريد فإنها رقصة روحه المزهوقة الأخيرة.