ضباب وحصار وسيف مغمد

ضباب وحصار وسيف مغمد

إبراهيم جوهر - القدس

ضباب اليوم وهو يحدّ من رقعة الجغرافيا المنظورة أحالني إلى حصار الجغرافيا وضيق الرقعة المتاحة بفعل موجات الاستيطان (النتنياهوية) للقدس وأراضي (الدولة).

أمس جرّبت العودة إلى ذكريات الطفولة الغذائية فقررت تناول برتقالة مع قليل من الخبز، ثم أعقبتها بحساء العدس وبرازق السمسم؛ سددت بوابة الجوع، واستعدت رائحة الطفولة...لكن معدتي لم تحتمل الخليط العجيب، فتساءلت باحثا عن سبب الغثاء والمغص؛

أهو البرتقال الذي اصطدم بقرحتي المعديّة؟ أم تراه العدس الذي لم يعجبه أن يزاحمه السمسم المكان الحامضي؟

( كان البرتقال في طفولتي يأتي من أريحا بطعم الماء والتراب والدفء الريحاوي الأليف، ويأتي من غزة بطعم الرمل والكرامة والتعب. كان المصدران الفلسطينيان حنونين على الأمعاء. اليوم والبرتقال (يهرمن) كبقية المزروعات  فسد الذوق والطعم.

أريحا حوصرت بالمستوطنات والتجفيف ، وغزة حوصرت بالحصار الذي يصعب توصيف لؤمه..." غزة لا تبيع البرتقال لأنه دمها المعلّب")

صباحا كان المنخفض الجوي قد بدأ بأمطاره وبرده وضبابه .

بت الليلة الفائتة على رائحة البرد القارس ومفعوله المرضي مما اضطرني للغياب عن ساحة الكلمات . لم أسجّل ما سمعته من تبرير منطقي أعجبني لسبب موت (خالد بن الوليد) موتا طبيعيا لا موت شهادة في ساح المعركة؛ قال زميلي (أبو خالد): لأنه سيف الله المسلول وسيف الله لا يكسر في المعركة.

الفكرة راقت لي تماما، فهي معقولة وجميلة، وفي تبريرها ذكاء من نوع ما .

(القدس قبلة الله وأرض المحشر والمنشر التي باركها الله وما حولها....لماذا تدنّس بالاحتلال والموبقات والسياسة؟؟) سؤال وازى فكرة التبرير السالفة، مجرد تساؤل.

لا نجمة صبح ظهرت ولا قمرا ولا شمسا هذا النهار. المطر والسحاب والضباب تسيّدت الموقف .

 أتفاءل وأراقب حركة القطرات وأستمع لصوت عزفها البديع .

(التفاؤل يرفع الهمة ويجبر النفسية. لذا – ربما – أبقى المصحح اللغوي في صحيفة "القدس" يوم أمس ما جاء على لساني (كنا متفائلين) مرفوعا بخطئه المطبعي فجاءت الجملة (كنا متفائلون !)

لا بأس فالتفاؤل يشفع للغة !

سيف الله المسلول لا يغمد ولا يكسر.

سيف اللغة كسر وينتظر من يجبر كسره في يوم اللغة العربية القريب.

الضباب يضيّق الرقعة الجغرافية المنظورة لكنه يزول فتعود الأرض ،

الاستيطان في القدس ومحيطها يبتلع التاريخ والحقوق ويقضي على الأحلام الباقية...

أريد برتقالا نقيا ينمو بحرية لا حصار فيها ولا تجفيف منابع.