عن الكلاب ، واللغة ، وأشياء أخرى !

إبراهيم جوهر - القدس

...وعاد تشرين ! تشرين نفسه بما يحمله من ذاكرة ، ووجع ، وظلم ...تشرين الذي أتيت فيه إلى الدنيا وأتى بي إليها !

تشرين ...

صباحه مضبّب بفعل الضباب الكائن ، وذاك المتخيّل بفعل العينين الكليلتين !

ضباب ...

تشرين حلّ في يومه الأول وشمسه  داريتها بقطعة قماش قرب النخلة الأسيرة على الشرفة .

( منذ أكثر من عامين والنخلة تعيش في وعاء فخاري صنعه الفاخوري على شكل "قفّة" بيدين بارزتين )

النخلة الحبيسة تضج بالمكان ، النخل يعيش في الحرية ، والاتساع . النخل شجر لا يحبس في الأقفاص .

كيف للقفص أن يسع طموح النخل ؟!

اتصلت السكرتيرة الطبية من المشفى صباح اليوم مستوضحة عن العنوان لترسل موعد المراجعة وإتمام الإجراءات العلاجية ؛ القدس . القدس ليست عنوانا . في القدس أناس متعددون ، في القدس أسافين (!!!) جاء دورها اليوم .

( أمس قرأت عن الغجر في القدس الذين زارهم رئيس البلدية مهنئا بالعيد !! فطلب مختارهم الجنسية والسماح لجاليته (تعدادها 2000 نسمة) بالخدمة في الجيش !! )

أسافين كامنة (نائمة) متى يحين دورها يتم إيقاظها .

قاتل الله من ينسى القدس .

متى يحين دور (الأرمن) والطوائف الأخرى ؟!!

أسافين ، أسافين ...

النخلة الحزينة في قيدها الفخاري لفتت نظري هذا الصباح .

شاهدت مقابلة مع متظاهر من كفر قدوم اعتقله (الكلب البوليسي) بعد تعذيب ربع ساعة وسط قهقهة الجنود . أحضرت سيارة الإسعاف للكلب ، وترك الشاب (أحمد شتيوي) ينتظر سيارة الاعتقال .

طوبى للكلاب !

(في روايته الفلسفية "اللص والكلاب" استخدم نجيب محفوظ الكلاب بثلاثة معان ؛ الكلاب الحقيقية ، والشرطة ، والذين خانوا مبادئهم ) .

 الربيع اللغوي العربي ؛ دعوة الإعلامي (محمد أبو عبيد) تستحق الإصغاء .

أحيانا نصغي ونمط ألسنتنا !

أحيانا لا نصغي ونظن أننا أكبر ! وأكثر وعيا !

أحيانا لا ندري ماذا نفعل !

غالبا ما نكون الأكثر تضييعا للوقت ، والفرص ،

والأمهر إغلاقا للنوافذ .

تشرين عاد اليوم في يومه الأول . قبل خمسة وتسعين عاما أعطى من لا يملك لمن لا يستحق ، فأضاع حضارة ، ومستقبلا ، ورمى بالناس إلى صحراء الحرمان .

الذاكرة تحضر دائما بقسوة .

في تشرين  1917 م. كان فتى يتيم اسمه (حسين) وعمره اثنتا عشرة سنة حرمان يعمل في فرن (فرنك) خبّازا . بعد أربعين عاما سيولد للفتى اليتيم ابن اسمه (إبراهيم) سيعمل في بستان الشوك والورود لتدميه الأشواك المتشابكة من النبات والناس ...

الفتى هو أبي . أبي لم يعرف (بلفور) لكنه وجد ترجمته لسياسته فقرا ، وظلما .

عدت يا يوم مولدي ، عدت أيها الشقي ...

عدت يا تشرين الوعد والميلاد .

لم أذهب مساء اليوم إلى الموعد الأسبوعي للقائنا الثقافي في (الحكواتي) ؛ منعني الرشح وأشياء أخرى .

اللقاء المتفق عليه مسبقا سيحاضر فيه أحد الكوادر الحزبية ذات التوجه الإسلامي حول ما يجري في سوريا ؛

هل ستكون دمشق حاضنة الخلافة ؟

أم هي طهران ؟

أم أنها القدس المنتظرة ؟

تتعدد التوقعات والتنبؤات . والحال قائم .

إنه تشرين الذي سيحتفى فيه بأسبوع الشباب ويوم (ابي الوطنية الفلسطينية) كما جاء في إعلان الفضائية الفلسطينية .

الوطنية الفلسطينية ؛ لفظ فضفاض لا دلالة محددة له .

هي اللغة مرة أخرى . اللغة التي دفعت (فرنسا) - التي ستساعدنا في الكشف عمن سمّم الرئيس - للتصريح بأنها مع حل الدولتين ؛ إسرائيلية ذات حدود آمنة ، و(فلسطينية قابلة للحياة) !!

اللغة اللغة يا بني قومي .