تدور، نعم إنها تدور

إبراهيم جوهر - القدس

... ولكنها تدور .

انتهى . سأنهي وجعي هنا ولن أزيد ؛ عزمت على الأمر لكني تراجعت !

( هذا الإصرار العجيب ، والتمترس بلا تراجع خلف الفكرة يثير الإعجاب .الرجل وهو يساق إلى حتفه لم يتراجع . بعد صدور القرار الجائر بقتله بالسّم لم يتراجع ، بل أعاد التأكيد بقوله : ولكنها تدور .)

أمس عدت متأخرا ، تعبا ، متعكّر المزاج ، حزينا !

(هناك من يرى ذاته فوق الجميع ، وفوق المبدعين ، وفوق النقد ، وحتى فوق القدس !! يحزنني الأمر بقدر ما يثير شفقتي . أشعر بأن الدرب طويل ...)

قال أحدهم لزميله : هل تعلم أنني أضيء الدنيا بعينيّ ؟ استغرب المسؤول ، فأوضح المتحدث : حين أغمضهما فإن الدنيا تعتم !! )

ظننت الأمر طرفة ودعابة في بادئ الأمر حتى (تأكدت) من مستوى تضخيم الذات إلى حد الورم والتورم لدى بعض المثقفين في بلادنا المبتلاة .

الدرب طويل ، حقا طويل .

من طبيعة شخصيتي الشفافة التأثر بما أرى وأسمع ، لذا تعكّر مزاجي طول اليوم ، ودارت الأفكار باحثة عن لغة ، وإيثار ، وانتماء في حقلنا المتصحّر .

ليلة جافة لارتفاع حرارتها مثل نهارها . جفاف الجو من جفاف الروح ، ربما ، ومن الفردانية .

( أطلّ أحدهم من شرفة منزله ناظرا إلى اثنين من عمال البلدية ؛ أحدهما يحفر حفرة صغيرة فيستريح ، ليأتي الآخر فيطمرها ...ثم ينتقلان إلى موقع آخر من الشارع ويمارسان العمل الغريب ذاته !! فسألهما عن سرّ هذا العمل العجيب . جاءه الرد : نحن في الأصل ثلاثة عمال ؛ مهمة الأول أن يحفر الحفرة ، أما الثاني فيزرع الشتلة ، والثالث يطمر التراب المستخرج من الحفرة ...واليوم زميلنا الذي يزرع الشتلة غائب عن العمل !!!!!!)

لا تنسيق . لا تفكير . عمل فردي بعيد عن روح الجماعة ، تشخيص سريع لموتنا الإنتاجي .

... ولكنها تدور .