همسات القمر 34

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

همسات القمر 34

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

*قيثارتي الحزينة .. أتراك أدمنت لحن الشجن ؟؟ 

أعقمت عن إنجاب لحن يلامس الروح ..

يداعب القلب .. 

يسامر النفس في ليل الجدْب

أطربيني قيثارتي .. 

أميطي لثام الكدر

ازرعي ترانيمك في أرضي العاشقة لرهيف الوتر ..

املئي جوفي همسات لحن تناجي بسحرها القمر

أمديني زادا كأنما هو رحيق الزهر ..

هيا قيثارتي .. 

الروح ناءت

والقلب كلّ

والعقل أمسى حيرانا في زمن السفك والقتل ..

هلمي ولبي النداء .. واصدحي برقتك التي تنساب بحنان وأنُس يغلف الأرجاء .

هلمي قيثارتي

 

 

*تستهويني الخلوة

الانفراد بذاتي

البحث عن بعض شتاتي

يطيب لي المكوث وحيدة في واحتي الخاصة 

كوخ صغير ، أرجوحة مجدولة حبالها من ضياء القمر ، جدول رقراق تصطف على جانبيه رقيقات الزهر

كتاب ، قلم وكثير حروف تتطاير دون حدود ، دون قيود ... تداعب بشقاوتها نسمات السحر

طير يتقافز على ألحان حدائه يتمايل ووريقات الشجر 

قلب ينبض دفئا ، حبا ، شوقا ، حنينا ، ولا مساحة يتسلل إليها الكدر

ذهن صاف ، خال ، يقطف بحنكة محكم العبر ...

....

حلم يراودني كثيرا ، لعل فيه محاولة هروب من واقع البشر

 

*يدورون في متاهات الضياع ..

كلما لاح ضياء شمس فجر منتظر .. أخذتهم شمسهم في رحلة طويلة حيث غروب الالتياع

يكررون أنفسهم .. يفقدون الأمل في حبل نجاة ينشلهم

حياتهم السراب .. أحلامهم اليباب .. خطواتهم معاول الخراب ..

أهم الجناة أم المجني عليهم ؟

 

*عندما يتواءم المرء مع ذاته

وعندما يحنو على شكاته

وعندما يتناغم وترانيم أنّاته

وعندما يهدهد بلمسات الحنان آهاته

يتصالح العقل والفؤاد ..

وترتسم بسمة رضى وسكينة تمحو ليل السهاد .

 

*منذ جمعت أوهامي وسراب آلامي في صرة الرحيل

منذ اتكأت على عصا ترحال ميممة صوب واحة الأُنس والهناء ، صوب روضة تسبح أشجارها وأطيارها بحمد خالق الأرض والسماء

منذ رفعت يدين مرتجفتين وأزلفت قلبا مرتعدا بحسن الذكر والدعاء

وجدت نفسي التي خاصمتني في أمسي .. ألقيت صرّة الوجع في بئر الفناء .. غرقت روحي في بحر الصفاء والنقاء

أدركت أنني الأقوى والأجدر بالمقاومة والبقاء ، ما دام حبلي مربوطا برب السماء .

 

*الحرية والعبودية

كلمتان يساء فهمهما كثيرا 

الحرية لا يعني الانطلاق دون ثوابت ، دون ضوابط ، دون موازين وروابط 

الحرية مسؤولية ، لا تتنازعها عوامل التمادي والتعالي أو الأنانية

الحرية ، تواضع ، رحمة ، عدل ، مساواة ، تراجع عن الخطأ 

الحرية ، أن تجد نفسك حيث يريدك الله أن تكون ، لا حيث تريدك شهواتك أن تكون

العبودية : أن تكون عبدا لشهواتك ، عبدا لمطامعك ، عبدا للنفاق والتملق لغيرك

أن تظن أن غيرك من البشر من يملكون لك النفع والضرر

أن تتنازل عن مبادئك ، كرامتك ، حريتك ، في سبيل السير في ركب الأكثرية حتى لو كانوا على خطأ

أن تنتقص من قدر نفسك إرضاء لغيرك ، أن لا تجهر بقناعتك خوف إقصائك 

أن يجعلك الله حرا سيد نفسك ، وتأبى إلا أن تكون تابع غيرك .

 

*تتولد نسمات الأمل من رحم فجر يرسل تباشير ضياه التي تنضو عن كواهل قلوبنا وعقولنا ونفوسنا ما ران عليها .. 

تجعلها أكثر حياة .. أكثر صلابة ، أكثر قوة .. أكثر دفئا وحبا وحنانا .. أكثر رضى وسكينة وامتنانا ..

تصبغها بألوان تنتشر في دروب يومها راسمة لوحة من بهاء .. تكسوها حُلّة من نقاء .. تطربها بلذيذ حداء ...

وليس لها تلك العطايا إلا إذا سلكت دربا من نور يباركه رب السماء .

 

*وتتوالى مكاسبهم ويكثر نهشهم

وكلما نالوا منا ، بشراهة وجشع قالوا : 

هل من مزيد ؟؟

ما أكرمنا ونحن نجود لأعدائنا ..بكرامتنا ، بحريتنا ، بعزتنا ، بقوتنا ... !! ثم نكون لهم من الشاكرين 

قبح الله الذل ما أشد وقعه على النفس !!

 

*يليق بقلوبنا أن ترفل في أثواب من نقاء 

ويليق بأرواحنا عبير زهرات الربيع تجلو إرهاقها والعناء ..

ويليق بنا أن نرسم بسمة التفاؤل .. لعل القادم هو الفجر الذي يدحر الليل المتسربل بالشقاء

 

*تستيقظ الروح جذلى على لمسات خيوط شمس دافئة ..

تحملها نسيمات من رضى لتلقي تحية صباحها على طيور ترتل أغاريدها .. على زهور تمد كؤوس نداها الممزوجة بعبير أريجها .. على شجرة معطاء تلقي دروسا في الشموخ والصمود .. على نهر جار يغسلها بنقائه .. على سماء صافية تسكب فيها صفاء وهدوءا رائقين .... 

تعود مشحونة بزاد تغذيه تلك النفسَ التي تسكنها .. تبدأ تلك النفس رحلتها اليومية بتفاؤل وأمل أن يكون القادم أفضل .. 

وفي طرقاتها المتشعبة ..

تتقلب ما بين مد وجزر 

تتنازعها صراعات تختبئ ما بين ليل وفجر ..

ولكن ..

مهما اعترضتها أنواء وأشواك .. ومهما سلكت دروبا قاحلة وفجاجا مضطربة ... يبقى ذلك الزاد يشحن فيها الجلد والصبر ... وكلما ادلهمّت الخطوب .. وكلما كثرت السهام وزادت الندوب .. تغرف من معين ذلك الزاد .. تسلك به طريق دعائها وصلاتها لخالق النفس .. يتمتم اللسان .. يتقاطر شهد الهمس .. لا يلبث أن يسكن الفؤاد .. لتكتب الروح قصة نجاحها بأطيب مداد ... 

ما أجمل صباحاتنا التي نتعلق فيها بحبل رب العباد ..

لتكن صباحاتنا هكذا .. أو لا تكون !

 

*هو الواقع الذي أغرقنا في بحر من حيرة وصمت لم نعد نملك إزاءهما أكثر من هزة رأس ، أو آهة تفلت منا في ليل الكبت

يا للذهول الذي أخرس الألسنة وأنطق العيون

يا لخيبة الآمال والانكسارات التي أصبحت سمتا لهذا العالم المجنون

رحماك ربنا

 

*وإنه من الحمق أن نتكئ على حرف يطاوعنا حينا ويعصينا أحيانا

 

*كلما دفنتك في بئر المواجع

عدت وأينعت من جديد

أما من توبة عن الهرف يا حرف ؟

 

*كما البحر نحن

هدوء في قلب موج ثائر

وموج في حضن هدوء حذر

دواخلنا مترعة ، أعماقنا متداخلة

نحمل الكثير ونتحمل الكثير ..

وفي لحظة نعصف بكل شيء ونعلن ثورة ما لها من قرار !

 

*تكبلني مشاكسات حرف مستبد متسلط يتغذى على مشاعري وفكري 

وعندما أطلبه .. يراوغني ويحيد بوجهه عني !!

 

*ظنون أنهم ملكوا حريتنا وكبلوا نفوسنا وقلوبنا !

وليتهم يدركون ، أن لحريتنا ونفوسنا وقلوبنا مفتاحا لا يملكه سوانا .. ولن يعثروا عليه ولو نكتوا أجسادنا وبعثروها أشلاء متناثرة لا تقوى التئاما !!

 

*على بوابات الفجر المرتقب أقف ساكنة أرخي سمعي علّ أذني تقتنصان وقع حوافر خيول العزة يسارع فرسانها لشق ستار الليل بسيوف الفخر والإباء ... 

ولازلت أنتظر ولن أملّ !!

 

*يسرح فكري أحيانا يقلب بعض مواجعٍ بعصا الذكريات .. 

يقلب ويقلب .. وأنا على بعض جمار أتقلّب

أحاول إيقافه لكن عناده وإصراره يقفان دون مبتغاي ..

أسعى لمساعدته في محاولة لإنهاء التقليب الأليم

أخلط ما يقلبه ببعض ذرف .. وأمزجه بقليل من هرف 

أضع نقطة الصمت وأستدير إلى حاضري !!

 

*موت من بعد حياة .. وحياة من بعد موت .. 

وما بين الموت والحياة تجارب وعظات 

تتقلب النفس في حياتها ما بين شدة ورخاء .. كدر وصفاء .. فرحة ولأواء ...

ويأتي الموت الصغير ، ليعيد ترتيب النفس بكل ما مر عليها من سلبيات وإيجابيات .. يحاول دفن السلبيات في مقبرة النسيان ، كما يعمل على زرع الإيجابيات في روض بهي فتان ... 

تستيقظ النفس تصافحها نسائم صباح ذات شمس مبتسمة متفائلة ... تشكر ربها الذي أحياها .. تبلغ بها إرادتها وهمتها مداها

تنطلق في دروبها معلقة قلبها بربها ... 

هو ذا الصباح الذي يليق بالنفس ، صباح الرضى والاطمئنان بأن ما عند الله هو الخير ..