خواطر من الكون المجاور الخاطرة 69 ..فلسفة تحريم لحم الخنزير الجزء 2

كان من المفترض أن يكون موضوع مقالة اليوم موضوعا جديداً ،ولكن تعليقات بعض القراء على موضوع المقالة السابقة " فلسفة تحريم لحم الخنزير " دفعتني إلى كتابة الجزء الثاني لنفس الموضوع كرد على تلك التعليقات والتي - وللأسف - كانت خارج موضوع تحريم لحم الخنزير حيث كانت وبدون أي إثبات واضح تتهم فكر ومنطق كتابة سلسلة ( خواطر من الكون المجاور ) بأنها تحرف أو تشوه الدين اﻹسلامي ، لذلك سأحاول أن أشرح بعض اﻷشياء عن القاعدة العلمية التي أستند عليها في أبحاثي والتي جميعها تدخل تحت عنوان ( أبحاث عين الروح ) لذلك سميت صفحة الفيسبوك التي أنشر بها مقالاتي بإسم ( عين الروح ).

قبل أن أذكر تلك التعليقات إسمحوا لي أن أتكلم بشكل مختصر عن القاعدة الفكرية التي أعتمد عليها في أبحاثي والتي في الحقيقة جميعها لها هدف واحد وهو محاولة فهم أسباب ولادة ظاهرة ( الجريمة الطفولية ) ، هذه الظاهرة التي لم يسجل التاريخ في صفحاته عن مثل هذا النوع من الجرائم إلا في عصرنا الحاضر ، فأكبر مشكلة يعاني منها عصرنا الحاضر هي تشويه البيئة الروحية التي يعيش فيها اﻷطفال ، والتي دفعت في النهاية إلى ظهور جريمة القتل في عالم اﻷطفال ، فولادة هذه الظاهرة بالنسبة لي تعني بأن علماء اليوم بجميع فروعهم العلمية ومعهم علماء الديانات السماوية واللا سماوية أيضا جميعهم يأكلون لحم الخنزير ، والمقصود هنا ليس المعنى الحرفي للعبارة ولكن المعنى الروحي الذي ترمز له روح الخنزير، فظاهرة ( الجريمة الطفولية ) إنتشرت في معظم بلدان العالم وقبل شهور قليلة وصلت أيضا إلى المملكة السعودية حيث طفل بعمر خمس سنوات ذبح أخته الصغيرة ولولا وجود أهله بالقرب منهما لكانت الطفلة قد فارقت الحياة ، فما أقصده هنا لا يعني أن العلماء المسلمين يأكلون لحم الخنزير بمعناه الحرفي ولكن بمعناه الرمزي ، ﻷن تحريم لحم الخنزير هو أولا رمزي روحي يتعلق بطبيعة روح الخنزير وثانيا مادي يتعلق باﻷمراض الناتجة عن إستهلاك لحومه.

شعوري بمشكلة تناقض سلوك أطفال العصر الحديث مع سلوك الطفل كما خلقه الله وعيت به عندما كنت طفلا صغير بعد حادثة إنتحار الطفلة سعاد في حينا ، ومنذ تلك الفترة وبدون أن أعي ما أفعل وجدت نفسي وبمنهج فطري أبحث عن أسباب حب العنف والسلوك السلبي عند اﻷطفال. نوعية هذه المشكلة التي كنت أبحث عن حل لها فتحت لي طريق فكري يختلف عن طريقة فكر اﻹنسان الحديث، فكان كل شيء كنت أسمعه عن المحبة والسلام والتوحيد والتعاون بين اﻷفراد والشعوب يأخذه عقلي ويرسله إلى عقلي الباطني ليحتفظ به هناك إلى اﻷبد ، وبالعكس كان يحصل لكل فكرة تحمل في داخلها شيء مضاد للصفات السابقة ، كالحقد والكره والعنف والقتل والتفرقة حيث كان عقلي يرفضها ولا يسمح لها بالدخول مهما كان مصدرها . فقد كنت مؤمنا تماما بعبارة تقول ( إذا فكرت خيرا فسيكون الله معك في طريقك ، أما إذا فكرت شرا فسيكون الشيطان معك في طريقك ) ، وهكذا شاءت اﻷقدار أن تكون جميع الظروف من حولي تساعد في تقوية ذلك المنهج الفكري الذي سرت عليه منذ طفولتي ، فأنا أنتمي لعائلة غير عربية ولكني ولدت في بلد عربي ، وأنا مسلم ولكنت ترعرعت في حي مسيحي ، فكان لي أصدقاء طيبين مسلمين وأصدقاء طيبين مسحيين ، وفي كلا الطرفين كنت أرى شيئا من نور الله في سلوكهم ، وهذا ما كان يجعلني أشعر وكأن شيئا ما في داخلي يقول لي أنه في الدين المسيحي أيضا يوجد نور الله.

هذه المشاعر الفطرية التي ساعد القدر في دفعي باﻹحساس بها منذ طفولتي ، ساهمت في توجيه بحثي الفطري بطريقة تجعلني أنظر إلى اﻹنسان مهما كان عرقه أو لغته أودينه بأنه كائن يحمل في داخله جزء من روح الله ، ذلك الجزء الذي نفخه الله في آدم عندما خلقه والذي عبر عنه الفيلسوف سقراط بعبارته الشهيرة ( لا يوجد إنسان يريد عمل الشر ، لو كان باستطاعته عمل الخير ) ، فبالنسبة لي كنت مؤمنا تماما بأن الله عز وجل قد وزع حكمته على جميع شعوب العالم ، ﻷن الله تعالى هو إله الناس أجمعين وليس إله حفنة قليلة منهم ، فالشعب اليهودي حين إعتقد بأنهم شعب الله المختار هذا اﻹعتقاد أدى إلى تشويه تفسير معاني آيات كتبهم المقدسة لتلائم إعتقادهم هذا، فكانت عاقبتهم أن الله شتتهم في جميع بلدان العالم.وكما حصل مع اليهود حصل مع جميع تلك اﻷمم التي ظنت يوما ما بأنها شعب الله المختار.

فالحكمة الإلهية كانت بالنسبة لي مثلها مثل الضوء اﻷبيض ، وكما هو معروف أن الضوء اﻷبيض يتألف من جميع ألوان قوس قزح ، فالله عز وجل وزع هذه اﻷلوان إلى مختلف مناطق العالم وجعل كل أمة تعتقد بأنها هي الصحيحة ﻷنها ترى فقط ذلك اللون من نور الله الذي تحمله هي ، أما الألوان الأخرى التي تحملها بقية الشعوب فلم يكن لديها المقدرة على رؤيتها، هكذا كانت سنة الله في خلقه في العصور الماضية لتستطيع كل أمة أن تزيل جميع الشوائب من اللون الذي تحمله هي لتصل به إلى الصفاء الكامل ، هذا كان دور كل أمة عندما كان العالم يبدو في نظر اﻹنسان وكأنه عالم كبير بلا حدود أكبر بكثير من أن يستوعب حجمه في مخيلته، وذلك بسبب المستوى الضعيف للعلوم والتكنولوجيا في ذلك الوقت ، ولكن اﻵن وقد وصلت العلوم المادية والتكنولوجيا إلى مستوى متقدم جدا بحيث حولت الكرة اﻷرضية إلى عالم صغير يستطيع به اﻹنسان الموجود في طرفه أن يتكلم مباشرة بالصوت والصورة مع إنسان آخر موجود في الطرف اﻵخر من العالم عبر الهاتف الخلوي ، وأن ينتقل خلال ساعات قليلة من مدينة إلى مدينة آخرى تبعد آلاف الكيلومترات.وأصبحت أخبار ما يحدث في كل بلد تتنقل خلال دقائق ليعلم بها جميع سكان العالم. لذلك في هذا العالم الصغير اﻵن علينا أن نرى اﻷلوان اﻷخرى التي تحملها بقية الشعوب ونحترم وجودها ونحاول أن نساهم في تعاون الشعوب لتستطيع اﻹنسانية توحيد تلك اﻷلوان لتصل إلى لون الضوء اﻷبيض والذي يعبر عن الكمال الروحي والمادي كما تقول اﻵية القرآنية 13من سورة الحجرات (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )

إعتمادي المنطق الفكري الذي دفعني إلى اﻹيمان بأن اﻹنسانية بأجمعها عائلة واحدة ساهم أيضا في البحث في عدة جهات مختلفة ، فحتى أستطيع الوصول إلى جذور ظاهرة (حب العنف عند اﻷطفال ) كان لا بد لي من البحث في ديانات وعلوم مختلفة ومتنوعة، ﻷستطيع أن أحصل على رؤية شاملة لكل شيء ولكل حدث، فروح اﻹنسان هي من كل شيء ، تماما كما قصده علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله " تحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر " فتطور اﻹنسان بالنسبة لي يعتمد مبدأ يختلف نهائيا عن مبدأ نظرية دارون ، فتطور روح اﻹنسان بدأ بولادة هذا الكون وليس بولادة القرد أو الرئيسيات كما يظن علماء التطور في عصرنا الحاضر ، فهدف ولادة الكون من بدايته كان من أجل تصحيح ذلك الخطأ الذي إرتكبه اﻹنسان في الجنة وأدى به إلى طرده منها إلى هذا الكون ، فهذا الكون الذي كان حجمه في بدايته أصغر من ثقب اﻹبرة ، ليس إلا السجن المنفى للإنسان بعد طرده من الجنة، لذلك بالنسبة لي لا شيء يوجد بالصدفة ولا حدث يحدث بالصدفة ، كل شيء وكل حدث له معنى يساهم في فهم المخطط اﻹلهي في تطور اﻹنسان ، قوى روح السوء العالمية تحاول أن تجعل جهة التطور الروحي الكوني نحو اﻹتحاد العشوائي ليسير التطور نحو التفكك والفناء ، بينما قوى روح الخير العالمية تحاول أن تجعل جهة التطور أن تسير نحو اﻹتحاد المتجانس والمنسجم ليسير التطور نحو اﻷرقى ليستطيع اﻹنسان الوصول إلى الصفاء الجسدي والروحي ليكون مناسبا للعودة ليعيش في الوطن اﻷم ( الجنة ) ثانية .

كل هذه اﻷفكار شعرت بصحتها وأنا في المرحلة الثانوية والجامعية ، ولكن لكونها أفكار غريبة عما كنت أتعلمه في كتب العلوم والديانة ، جعلتني أصمت ، فمن جهة كنت أخاف أن تكون أفكاري معارضة لتعاليم الدين اﻹسلامي، ومن جهة أخرى كنت بحاجة إلى إثباتات مقنعة أستطيع طرحها لإثبات صحتها ، وحتى يكون أسلوب طرحها يساهم في الوصول إلى الحقيقة وجب علي أن أتبع أهم مبدئين من مبادئ اﻹسلام وهما :

- وجادلهم بالتي هي أحسن ، فالمجادلة الحسنة تعتبر من أهم صفات اﻹيمان ،حيث نجد أن الله عز وجل أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبع هذا الأسلوب في المجادلة كما تذكر اﻵية القرآنية (أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) في هذه اﻵية نجد أن الله عز وجل وكأنه يقول للرجل الذي إختاره ليكون رسوله في نشر دينه بأن علم اليقين هو فقط عند الله ولا يمكن ﻷي إنسان الوصول إليه، لذلك ما على اﻹنسان سوى أن يعطي حججه وإثباتاته التي تثبت صحة رأيه أو خطأ رأي اﻵخرين . وليس له الحق على اﻹطلاق أن يسخر أو أن يتهم آراء اﻵخرين بألفاظ بذيئة ، ﻷن الله وحده هو من يعلم فقط من هو على صواب ومن هو على باطل. فعندما يحدث النقاش في مناخ تسوده المحبة واﻹحترام بين الطرفين فالنقاش في تلك اللحظات يحدث في مناخ تسيطر عليه روح الخير في الطرفين لذلك سيكون نتيجة هذه المجادلة الوصول إلى الحقيقة ﻷن الله عز وجل سيكون ثالثهم في المجادلة. أما عندما يحدث النقاش في مناخ تسوده الكراهية والبغض والكلمات البذيئة والشتائم ، عندها المجادلة ستحدث في مناخ تسيطر عليه روح السوء وعندها سيكون في هذه الحالة الشيطان ثالثهم وسيمنعهم في الوصول إلى الحقيقة .

- المبدأ الثاني هو أن يعطى اﻹنسان القيمة الحقيقية لرأي الطرف اﻵخر في المجادلة ، فأهم صفة من صفات المطففين أنهم يحاولون إظهار فقط السيئات في آراء اﻵخرين أو إخفاء كل محاسنها ليستطيعوا اﻹنتصار وتحقيق مصالحهم. كما تذكر اﻵيتين 2و3 من سورة المطففين (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) والمقصود هنا ليس معناها المادي الحرفي (الكيل والوزن ) في البيع والشراء ولكن بمعناها الشامل إي في تقييم أراء اﻵخرين أيضا.

إيماني بهذين المبدأين جعلني أبحث بصمت لسنوات طويلة في تقييم نظريات وآراء اﻵخرين التي تعارض أفكاري وإحساساتي ، لذلك بقيت جميعها في داخلي ولم أسمح لنفسي أن أنشر أي فكرة منها إلا عندما وصلت إلى إثباتات أقوى بكثير من اﻹثباتات و الآراء المعارضة لها ، فكثير من آرائي التي قد أذكرها من خلال أسطر قليلة إحتاجت إلى سنوات وبعضها إلى أكثر من ثلاثين عام من البحث الشاق ﻷستطيع أن أسمح لنفسي بنشرها. ﻷنني أعلم تماما بأن كل جملة سأنشرها ليقرأها اﻵخرون قد تؤثر على فكر بعض اﻷشخاص وقد تقوم بتغيير سلوك حياتهم سواء كان تغيير سلبي أو إيجابي ، وأن الله سيحاسبني في يوم اﻵخرة على كل كلمة كتبتها إلى الناس.

مشكلة آرائي هي أنها تعتمد على منهج علمي يختلف نهائيا عن منهج العصر الحديث ، فالقاعدة الثقافية التي أعتمد عليها خرجت من رؤية شاملة ( رؤية روحية ورؤية مادية )، بينما القاعدة الثقافية للإنسان المعاصر تعتمد على الرؤية المادية فقط ولهذا السبب نجد أن العلوم المادية تتقدم بقفزات واسعة ،بينما العلوم اﻹنسانية في تدهور مستمر مما أدى إلى وصف قرن العشرين بأنه ( لم تعرف اﻹنسانية وحشية أكثر من وحشية إنسان القرن العشرين ) وكما ذكرنا في هذا القرن ولدت ظاهرة الجريمة الطفولية.

لذلك سميت أبحاثي ب ( أبحاث عين الروح ) ﻷنها تضيف الرؤية الروحية إلى أبحاث علماء العصر الحديث لتخرج برؤية شاملة للأحداث واﻷشياء ، وكذلك سميت مقالاتي ( بخواطر من الكون المجاور ) ﻷن أفكاري لا تأتي من قوانين العالم المادي ولكنها من قوانين العالم الروحي ، وهناك إختلاف كبير بين النوعين من القوانين ،فقوانين العالم المادي لا تستطيع رؤية المخطط اﻹلهي في التطور ، لذلك في الماضي كانت تحدث معجزات وكانت فئة قليلة تغلب فئة كبيرة ، أما اليوم فلا وجود للمعجزات واﻷقوى ماديا هو الذي ينتصر ﻷن اﻹنسانية بأكملها تعيش في الكون المادي ، فكل ما يحدث من حولنا يؤكد تماما بأن روح الشيطان اليوم هي التي تحكم كل شيء في هذا العالم ، لذلك وصلت اﻹنسانية اليوم إلى أسفل السافلين.

للأسف إن الإختلاف بين القاعدة الثقافية التي يعتمد عليها اﻹنسان المعاصر عن القاعدة التي أستخدمها في أبحاثي ، جعلت من آرائي ليست فقط غريبة عن آراء علماء اليوم ولكن أيضا تبدو للبعض وكأنها تعارض الدين نفسه ، لذلك المشكلة في فهم مقالاتي وكتبي أنها تحتاج إلى قراءة كل ما أكتبه ليستطيع القارئ أن يحصل على تلك القاعدة العلمية الشاملة التي بواسطتها تم الحصول على تلك المعلومات ليستطيع عندها رؤية ما تراه عيني ، وأنا للأسف لا أستطيع في كل مقالة أن أشرح صحة الفكرة التي أعتمد عليها في مقالتي ﻷنني شرحتها عدة مرات في مقالات أخرى ، وعرض شرحها في كل مقالة ليقرأها القراء الجدد ليستطيعوا فهمها بشكل جيد سيجعل طول المقالة بدلا من 140 سطر إلى 500 أو 1000 سطر ،وفي هذه الحالة أنا متأكد بأنه لن يقرأها أحد ، ﻷنها ستكون ثقيلة جدا على القارئ الجديد و عقله لن يتحمل هذا الكم من المعلومات الجديدة التي يسمع عنها ﻷول مرة في حياته ،وكذلك بالنسبة للقارئ القديم ستجعله يشعر بالملل من كثرة إعادة سرد نفس الفقرات في كل مقالة . نعيش للأسف في عصر فوضوي يحكمه قانون العشوائية لا يسمح بسهولة تداول اﻷفكار الجديدة التي تعارض جهة التيار الذي يسير عليه العصر .

و عودة الآن إلى موضوع (فلسفة تحريم لحم الخنزير) .في البداية أود أن أشير إلى أن جميع علماء المسلمين الذين يحاولون إثبات أن اﻹنجيل لم يحلل أكل لحم الخنزير على المسحيين ، يستخدمون في إثباتاتهم الآية 17 من اﻹصحاح 5 من إنجيل متى حيث نجد المسيح يقول (لا تظنوا أني جئت ﻷنقض الناموس واﻷنبياء ، ما جئت ﻷنقض بل ﻷكمل. ) وحسب رأيهم طالما أن التوراة قد حرمت أكل لحم الخنزير فهذا يعني أن المسيحيين أيضا يجب عليهم أن يتبعوا نفس قوانين التوراة، فليس من المعقول -حسب رأيهم - أن يحرم الله على اليهود أكل لحم الخنزير ويحلله على المسيحيين. وبناء على ذلك فإن لحم الخنزير أيضا هو محرم في الدين المسيحي.

العلماء المسلمون الذين يستخدمون هذه اﻵية في محاولة إثبات أن المسيحيين قد حرفوا دينهم لذلك راحوا وحللوا لحم الخنزير. للأسف وضعوا أنفسهم في تناقض كبير ، ﻷننا إذا أخذنا هذا المنطق في الحكم على المسيحيين هذا يعني أن الدين اﻹسلامي نفسه قد خرج عن الشرع اﻹلهي ، وذلك ﻷن مع نص تحريم لحم الخنزير في العهد القديم يذكر أيضا تحريم أكل لحم الجمل واﻷرنب كما هو واضح في اﻵيتين 7- 8 من اﻹصحاح 14 من سفر التثنية ( إلا هذه فلا تأكلوها مما يجتر ومما يشق الظلف المنقسم. الجمل واﻷرنب والوبر ﻷنها تجتر لكنها لا تشق ظلفا فهي نجسة لكم. والخنزير ﻷنه يشق الظلف لكنه لا يجتر فهو نجس لكم فمن لحمها لا تأكلون وجثثها لا تلمسوا ) فلماذا حلل اﻹسلام أكل لحم الجمل واﻷرنب التي حرمها الله في التوراة. فإما أن نتوقف عن إستخدام هذه اﻵية في إثبات تحريف الدين المسيحي ،ﻷن إستخدامها سيطعن بالدين اﻹسلامي نفسه ، وإما أن نقبل بأنه هناك حكمة إلهية في الموضوع فطالما أن اﻹسلام عدل من قوانين التوراة وحلل أكل لحم الجمل واﻷرنب للمسلمين فإن الدين المسيحي أيضا قد عدل بعض هذه القوانين وحلل أكل لحم الخنزير للمسيحيين. ﻷن أسباب هذا التحليل والتحريم في هذه الحيوانات في اﻷصل له معنى روحي يساهم في مساعدة اﻹنسان لفهم تطور الحياة. ورأيي في هذا الموضوع الإحتمال الصحيح هو اﻹحتمال الثاني ، فصفات الخنزير الروحية ودورها في فهم طبيعة تطور الحياة ذكرتها في المقالة الماضية ، أما بالنسبة للجمل فالموضوع هنا يختلف نهائيا عن طبيعة روح الخنزير، فمن يدرس صفات الجمل سيجد أنه أكبر دليل على إثبات أن الجمل ككائن حي خلق ليتحدى الظروف البيئية القاسية الموجودة في البيئة الصحراوية ، بعكس رأي نظرية داروين والتي تقول بأن الطبيعة هي التي تنتخب أنواع الكائنات الحية التي تلائمها. هذا الفرق في نوعية طريقة البحث العلمي ، يمكن له أن يغيير مفهوم الكثير من النظريات العلمية الحديثة . ليأخذ اﻹنسان صورة واضحة عن مضمون اﻷحداث التي تجري حوله. بعكس ما يحدث اليوم حيث جميع العلوم تنظر بشكل ببغائي إلى قشور اﻷشياء واﻷحداث ، فلا تستطيع فهم حقيقة ما يحدث وخاصة على الصعيد الروحي.

كثير من العلماء المسلمين يتهمون القديس بولس الطرسوسي ( شاول) الذي ساهم في تحليل أكل لحم الخنزير للمسيحيين بالدجل وبأنه قد دخل الدين المسيحي لتحريفه والقضاء عليه ، هذا الرأي - حسب رأيي- ليس فقط ظلم كبير في حق هذا القديس ، ولكن أيضا هو تشويه لفلسفة الدين المسيحي وتحويله إلى دين عشوائي من أوله إلى آخره. ﻷن بولس يعتبر بالنسبة لللمسيحيين ثاني أهم شخصية في تاريخ المسيحية بعد يسوع نفسه ،فقد ساهم في نشر الدين المسيحي في آسيا الصغرى وأوربا أكثر مما حققه جميع تلاميذ المسيح ، وللأسف حتى علماء الدين المسيحي حتى اليوم لم يفهموا بشكل جيد حقيقة دور هذا المبشر ليشرحوها لكي يقتنع علماء المسلمين بدوره في نشر الدين المسيحي . فهو في الحقيقة قد إختاره المسيح ليحل محل تلميذه يهوذا الذي خانه، وبسبب كون بولس حامل الجنسية الرومية ، ساهم في تحركه وإنتقاله في جميع المناطق التي كانت تحت الحكم الروماني وﻷنه كان يتكلم لغات عديدة إستطاع ان يناقش شعوبها ويقنعهم بترك دياناتهم الوثنية لتحل محلها الديانة المسيحية.

فإذا قبل المسلمون رأي علمائهم عن القديس بولس بأنه دجال، هنا أيضأ سيحصل تناقض كبير في الدين اﻹسلامي نفسه ، فبولس إعتنق الدين المسيحي بعد ثمانية سنوات من وفاة المسيح (رفعه إلى السماء ) ، فإذا كان دجالا كما يدعي بعض علماء المسلمين بهدف إثبات تحريف الدين المسيحي ، هذا يعني أن الدين المسيحي إنتهى بعد عشر سنوات من ظهوره ، ﻷن بولس بدأ يلعب الدور اﻷول في نشر الدين المسيحي منذ ذلك الوقت ، حيث أصبح من أهم المبشرين المسيحيين ، ولكن القرآن الكريم يعارض فكرة تحريف المسيحية خلال هذه السنوات الثمانية ، ﻷنه يذكر كلمة إنجيل ، وكما هو معروف اﻹنجيل تم كتابته بعد سنوات عديدة من إختفاء عيسى المسيح، فطالما أن إسم اﻹنجيل مذكور في القرآن فهذا يعني أن المسيحية على زمن نشرها من قبل بولس على سائر الناس كانت سليمة كما أرادها الله تعالى فكثير من الكنائس في آسيا الصغرى وأوربا ساهم في بنائها بولس نفسه . وليس من المعقول أن نقبل إحتمال تحريف الدين المسيحي خلال 10 أو 20 عام من ظهوره ، عندها لكان الله قد أرسل ديانة جديدة مباشرة لتحل محل هذه الديانة التي بدأت تنتشر بسرعة وتدخل نفوس الناس العامة. ولكن الله عز وجل أرسل دينا جديدا بعد حوالي 600 عام تقريبا من ظهورها وهذا يعني أن الدين المسيحي الذي نشره القديس بولس كان كما أنزله الله تعالى.

في المقالة الماضية ذكرت بأن الله عز وجل قد قسم العالم إلى قسمين شرقي ( روحي) وغربي( ومادي) وليس مسلم ومسيحي كما فهمه أحد القراء فذهب وكتب تعليق كامل على هذه الفكرة دون أن يعلم بأن هذه الفكرة شرحتها بشكل مفصل في عدة مقالات ماضية ، وللتأكيد على صحة هذه الفكرة بشكل سريع لنستطيع متابعة الموضوع الرئيسي سأعطي إثبات بسيط وهو أن جميع الديانات العالمية ظهرت في آسيا ومن هناك ذهبت إلى بقية مناطق العالم لتحل محل دياناتها المحلية. وكذلك نجد أيضا أن الشعوب الغربية كان لها الفضل اﻷكبر في تطوير العلوم المادية. فالتكنولوجيا الحديثة التي تعتمد على العلوم المادية هي في اﻷصل من صنع فكر غربي.

لاثبات صحة وجود حكمة إلهية في هذا التقسيم العالمي سنذكر هذه اﻷدلة للتأكيد بأن موضوع تحليل أكل لحم الخنزير وتحريمه له علاقة في هذا التقسيم العالمي.

مع بداية الفتوحات اﻹسلامية حاول المسلمون دخول أوربا عن طريق فتح القسطنطينية التي كانت تعتبر بوابة القارة اﻷ وربية ، وكانت أول محاولة لفتحها في بداية العصر اﻷموي عام 49 هجرية ( 669 ميلادي ) ولكنها فشلت فإضطر معاوية بن أبي سفيان إلى طلب فك الحصار عن القسطنطينية وعودة جيش المسلمين إلى دمشق، وبعد خمسة سنوات أرسل معاوية مرة أخرى جيشه لفتح القسطنطينية وبدأ الحصار الثاني وإستمر لمدة سبع سنوات ورغم ضخامة الجيش اﻹسلامي فشل للمرة الثانية في مهمته.

بعد 37 عام من المحاولة الثانية ،وفي عهد خلافة سليمان بن عبد الملك كانت المحاولة الثالثة لفتح القسطنطينية حيث جمع جيشا كبيراً برا وبحرا وأعطى الله عهدا أن لا ينصرف حتى ييفتح القسطنطينية ولكن الجيوش اﻹسلامية فشلت فشلا ذريعاً ، فكما تذكر الوثائق التاريخية بأن جيش المسلمين خسر أكثر من ربع مليون شهيد على أطراف جدران مدينة القسطنطينية وكما تذكر الوثائق التاريخية العربية بأن معظمهم ماتوا من البرد والجوع بسبب كثرة الثلوج التي هطلت في تلك الفترة والتي قطعت جميع الطرق أمام جيوش المسلمين لمدها بالمؤنة الغذائية ، أما الأسطول البحري فقد تدمر بأكمله بسبب الرياح الشديدة ،وكثير من العلماء المسلمين يعللون خسارة الجيش اﻹسلامي بسبب عدم تأقلم الجنود المسلمين بمناخ المنطقة الباردة، وكذلك بسبب فرار العديد من المصريين اﻷقباط الذين أتوا إلى مشاركة الجيش اﻹسلامي البحري لفتح القسطنطينية ، ولكن المصادر اليونانية تقول بأن الجنود المصريين الذين هجروا دينهم المسيحي وإعتنقوا اﻹسلام وجاؤوا للمساعدة في فتح القسطنطينة عندما رأوا التغييرات الفجائية القاسية في الطقس شعروا وكأن غضب الله يحيط بجيش المسلمين فإرتدوا عن الدين اﻹسلامي وفروا إلى الجيوش البيزنطية ليساعدوهم في الدفاع عن القسطنطينية ضد المسلمين، هذه الحادثة كانت بالنسبة لمسيحيي أوربا علامة إلهية تؤكد لهم أن الله معهم وأنه يطلب منهم أن يتمسكوا بدينهم وأن يمنعوا اﻹسلام من دخول أوربا.

هذه الخسارة الفادحة التي حصلت في الجيوش اﻹسلامية جعلت كل حكام المسلمين من بعد تلك الخسارة الفادحة أن يمتنعوا عن التفكير في فتح القسطنطينية ، وهكذا بقي الجيش اﻹسلامي بعيدا عن مدينة القسطنطينية لمدة أكثر من 700 عام.

والسؤال هنا لماذا سخر الله كل شيء لصالح الجيوش اﻹسلامية في فتوحاتها لتصل في سنوات قليلة إلى الهند شرقا وإلى إسبانيا غربا ، ولكن بمجرد وصولها إلى مدينة القسطنطينية بوابة أوربا إنقلبت اﻷمور رأسا على عقب حيث نجد ان الله قد سخر القوى الطبيعية من برد وثلج ورياح في حماية القسطنطينية من المسلمين ؟ لماذا إنقلبت اﻷمور فجأة ؟ لا يوجد سوى جواب واحد على هذا السؤال، وهو أن الله عز وجل أراد تبقى الديانة المسيحية ديانة الدول اﻷوربية ، فلو إستطاع المسلمون فتح القسطنطينية في ذلك الوقت لكانت الديانة اﻹسلامية اليوم هي الديانة الرسمية لجميع الدول اﻷوربية ، لذلك سمح الله عز وجل لجيوش المسلمين أن يدخلوا أوربا عن طريق إسبانيا ﻷنها بعيدة عن مركز القوة اﻹسلامية حيث إستمرار الفتح اﻹسلامي داخل أوربا من هناك سيحتاج إلى تمديد غزير بالجنود والسلاح والمؤنة وهذا كان صعب جدا تحقيقه ، لذلك فدخول اﻹسلام إلى أوربا لم يكن هدفه نشر الدين اﻹسلامي فيها ولكن ليكون هناك صلة وصل بين المسلمين والشعوب اﻷوربية ، تساعدهم في وصول الحضارة اﻹسلامية إلى إسبانيا وبالتالي ظهور حضارة عصر النهضة اﻷوربية والتي لعب أول دور في تأسيسها الفيلسوف اﻷندلسي محمد بن رشد.

ليس من الصدفة أن مدينة القسطنطينة سقطت أولا على يد الجيوش الصليبية في عام 1204 حيث دخلوها وأحرقوا مبانيها العامة وسرقوا ثرواتها وكنائسها ، وعندما وصل الجيش العثماني لفتحها عام 1451 كانت مدينه القسطنطينة قد خسرت الكثير من معانيها وأهميتها بالنسبة للأوربيين ولم تعد بوابة أوربا كما كانت ﻷن حضارة عصر النهضة التي ظهرت من مغرب أوربا راحت تنشر نورها في معظم البلدان اﻷوربية لتقف أمام الجيوش العثمانية ، في تلك الفترة كانت الحضارة اﻹسلامية قد دخلت في عصور اﻹنحطاط وحلت محلها حضارة عصر النهضة اﻷوربية ، والتي كان لها هي دور إكتشاف القارة اﻷمريكية. فتحول القارة اﻷمريكية الجنوبية والشمالية إلى قارة مسيحية لم يحدث صدفة ولكن حسب مخطط إلهي.

يقول الحديث الشريف ( بدأ اﻹسلام غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء ) وأنا أطلب من القراء اﻷعزاء إذا رأوا أفكاري غريبة عن المألوف ، أرجو أن لا يتسرعوا بإتهامي بأني أدس السم في العسل بهدف تحريف الدين اﻹسلامي ، وأن يفكروا جيدا وإذا كان لديهم إي إثبات يؤكد على خطأ أفكاري ،أتمنى أن يذكروها لي في تعليقاتهم ، فأنا أيضا إنسان وأبحث عن الحقيقة وأحتاج من يساعدني في الوصول إليها ، فالهدف الحقيقي لنشر مقالاتي هو تصحيح البيئة الروحية للأطفال لتنمو بشكل سليم مطابق لسنة الله. وأنا لا أطلب من كل شخص أن يؤمن او لا يؤمن بصحة أفكاري مباشرة ولكن أن يترك أمرها لله ، فكما تقول اﻵية 159 من سورة البقرة ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) وأنا أذكر لكم تلك العلامات التي رأتها عيني لتراها أعينكم أيضا ، وأرجو الله أن يكون هو - لا أنا - من سينير عقولكم لتستطيعوا التفريق بين الحقيقة والدجل.

وسوم: العدد 653