صوت الإنسانية الغائب

د. محمد خالد الفجر

د. محمد خالد الفجر

[email protected]

أتُرانا نسينا أبانا الأول؟ ... أنسينا دارَنا الأولى وعَشِقْنا ذلك الصوتَ الذي زيَّن لنا السّراب حتى أخرجنا من ظلال دارنا وأنهارِها التي ما تمتّعتْ عيونُنا بها وغابت معالمُها فلا تخطر على قلوبنا أما زلنا مبتدرين بأسماعنا ذلك الذي وسوس لأبينا فأخرجه من دارنا وارفة الظلال نسيرُ وراءه على غير هدىً نظن الخلود باتّباع خطاه ونلعنه في كلِّ دقيقةٍ بعد تكرار خطأ أبينا...

 نلعنه بعد ذبح معنى الطُّهر الذي يجمعنا وقتلِ زمن الودِّ الذي يغذُّ السير جاهدًا ليُعيدَنا إليه أَتُرانا ننسى معدِنَنا في الصباح ونتذكره في المساء؟ أم أنَّ معدِننا صدِئٌ فلا ناٌر تصقلُه ولا ماءُ طهرٍ يغسله فهو غائبٌ عنا صباحَ مساء...

يا ترى هل صوت الإنسانية الغائر في دواخلنا لا تُفجِّره دمعةُ طفلٍ ولا صرخةُ ثكلى ولا أشلاء أحبة.... فهامت أيامُنا على وجوهها مُنكرَةً غربةَ أبنائها حائرةً من أفعالنا فهي تعدُّ آثامنا وتتمنى لو شمسُ نهاراتها تحرِق آثامَنا وعوراتُنا التي ما عاد سِترُ اللّيلِ يغطّيها.

ماذا دهانا ونحن من يُبدِع في الكلمات ننسى في لحظةِ وَسوسةٍ كلَّ ما يجمعُنا من مشاعر وأحاسيس ورؤى... أيُّها القاتل ألم تردعْكَ صورةُ ولدك وأنت تفترس بوحشيةٍ براءةَ طفلِ غيرِك أيها القاتل أنسيتَ رحمًا جمعتْنا عنوانها: "مستودع الإنسانية الواحد" ماذا دهانا لا الذئبُ مثلُنا ولا الضبع ولا كلُّ وحوش الغابات....

خِلقَتُنا واحدةٌ ومشاعرنا في كثير من المواضع متّفقة فكلُّنا حُلمُه أن تُظِلَّ أيام الخير من تربطه بهم صلةُ رحمٍ واحدةٍ كلّنا في ليله له ذكرياتُه ودموعه الصامتة فما بالنا ننسى في لحظةٍ هذا الصوتَ الإنساني الواحد.

ياه ما أبشع غربة الإنسانية عن عالمنا حتى إنها فقدتْ معناها لشدَّةِ وحشيةِ هذا الذي نُسِب إليها (الإنسان) أتُراها (الإنسانية) تصرخ أم قتَل الظُّلمُ صوتَها فتتأملُ الكونَ منتظرةً لحظةَ انفجاره لتقومَ بعده من سُباتها الطويل في يومٍ عَدلٍ يُقال فيه "لا ظُلْمَ اليَوم" أيتها الإنسانية التي غِبت عن عالمنا اُصرخي فينا علَّ صوتَك يُحيي فينا بعضًا منك قبلَ يوم رحيلِنا وغيابنا وندمنا وصراخُنا لك في ذلك اليوم العَدْل راجين التَّمسكَ بطرفٍ منك فأعْطِنا قليلًا من سماتِكِ علَّها تُعيدُنا إلى أصلنا الطَّاهر لنستحقَ حمل مفتاح دارِنا التي هجرْناها من زمنٍ لا تُحصه الأيام ولا السنون ولا القرون اِشتقْنا لتلك الدارِ ولا نظنُّ بدونك نستحقُّ دخولَها.

               

[1] أستاذ مساعد في جامعة أتاتورك.