على طريق الصلاح والإصلاح

خطبة الجمعة 7 /3/ 2014م

د. محمد سعيد حوى

ينبغي أن يكون للمسلم في كل عمل يقوم به  مقصد وهدف، وهكذا عندما يقوم مدرسٌ أو واعظٌ بالقاء خطبة أو درسٍ؛ فلا بد أن يضعَ هدفاً ومقصداً له ، وكذا المستمع والذي يأتي إلى الصلاة ، ولذلك فالحديث الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ).البخاري .

فمما يقصده المصلي طلب الأجر والثواب وإقامة عبادة من العبادات العظيمة؛ امتثالاً لأمر الله تعالى طاعةً وعبوديةً واستماعاً للذكر ، ومما ينبغي أن يكون مقصداً للطرفين -المتحدث والمتلقي- هو تحقيق الصلاح والإصلاح .

ونقول الصلاح والاصلاح معاً: أن يقصد إصلاح نفسه ما استطاع و اصلاح ما حوله ما استطاع.( في كل جوانب الإصلاح الفكري، و التربوي، والسياسي، والاحتماعي، والاقنصادي، وغير ذلك)

نعم ؛ هل نضع نصب أعيننا قضية الإصلاح؟.

لماذا قضية الإصلاح؟ ولماذا التأكيد عليها؟

أولاً: لأنها سيرة الأنبياء ومنهجهم ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88] ،وأيضا ﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 142].

 

ثانياً: ولأن قضية الاصلاح علامة فارقة بين أهل  الإيمان والنفاق؛ فالمنافق يدعي الإصلاح لكنه مفسد في الأرض:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة:11- 12].

ثالثاً: ولأن الإصلاح شرط الوقاية والحفظ للأمم، وشرط استمرارها: ﴿ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود:116- 117].

(﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165]

 

رابعاً: الصلاح وحده لا يكفي، مع أنه شرط أساسي، فإن الله تعالى يقول ﴿ وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأنعام: 48] 

ويقول أيضاً ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ، إِلاَّ الَذيِنَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التُّوَّابُ الـرَّحِيم ﴾ [البقرة:159-160]

وفي الحديث  عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». صحيح البخاري

إذن لا بد أن يكون مقصد للجميع السعي للإصلاح .

وفي الحديث إشارة إلى قضية تأجج الفتن والشر، نفهمها من ذكر يأجوج ومأجوج، وأن مواجهة ذلك لا يكون إلا بوجود المصلحين، مع التأكيد أن خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة.

ومن هنا إذا كنا نتكلم عن حقوق القرآن فلتحقيق مقاصد عظيمة، في تحقيق الصلاح والإصلاح معاً، وأن يكون ذلك رسالة لنا في الحياة، بل منهج حياة. فضلاً عن وجوب التفاعل مع القرآن وحسن التعامل معه التعرف إلى خصائصه وعطاءاته وحقوقه.

فسنكمل معكم إن شاء الله الحديث عن حقوق القرآن على طريق الصلاح والإصلاح؛ رسالة ومنهج حياة.