خطبة الجمعة فرصة أسبوعية لعرض أحوال الأمة على الكتاب والسنة لتعزيز المستقيم منها وتصحيح المعوجّ على ضوئهما

بعد غياب خطبة الجمعة خلال مدة الحجر الصحي لفترة ليست بالقصيرة ، وبعد عودتها المقننة من طرف الوزارة الوصية ،لوحظ من جهة تقليص المدة الزمنية المخصصة لها ، ومن جهة أخرى غياب معالجتها لأحوال الأمة واقتصارها على تناول مواضيع يغلب عليها الجانب الوعظي الصرف .

 أما تقليص مدتها الزمنية، فيعزى إلى  ما يفرضه ظرف الجائحة من ضرورة الاحتراز من عدواها عن طريق  الحرص على التباعد مكانا وزمانا  وهو أمر يتفهمه الجميع ، وأما تغييبها لمعالجة أحوال وقضايا الأمة فلا مبرر له خصوصا وأن هذه الأحوال وهذه القضايا تعرف تطورات ومستجدات لأن المجتمع ليس مجرد بركة ماء راكد بل هو بحر لجي  زاخر  خصوصا في هذا الظرف التاريخي بالذات  الذي تمر به الأمة الإسلامية  وقد صار أمرالمكر بها جليا .

وفي الوقت الذي يعقد ما يسمى بالتيار العلماني الحداثي لقاءات وندوات في مؤسسات جامعية يناقش خلالها ما سماه نهاية وجود الدين في المجتمع مقابل سيطرة ما يسمى الحداثة والعقلانية والتنوير ، كما هو الشأن بالنسبة لندوة عقدت بجامعة ابن زهر في مدينة أغادير من طرف ما يسمى ماستر الإدارة والديمقراطية وحقوق الإنسان ، نجد منابر الجمعة تعالج  مؤخرا موضوع قيام ليلة منتصف شهر شعبان وصيام نهاره ،علما بأن هذا الشأن التعبدي يحرص عليه الشعب المغربي على الدوام  ، ويكفي التذكير به في نهاية الخطب التي يجب أن تخصص لمعالجة قضايا وأحوال المجتمع من خلال عرضها على الكتاب والسنة لتعزيز ما استقام منها وتقويم ما أعوج، ومن شأن ذلك أن ينسف مقولة العلمانيين من أساسها التي تزعم أن الدين ـ  وهم يقصدون الإسلام تحديدا ـ نهاية وجوده في المجتمع ليخلو فيه الجو للعلمانية والحداثة .

ولقد كان بوسع الخطباء الذين أرادوا تناول  الحديث عن فضل شهر شعبان  بمناسبة حلوله في خطبهم انطلاقا من الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم  حين سئل عن  كثرة صيامه فيه أكثر من غيره : " ذلك  شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " أن يستوقفهم موضوع رفع أعمال العباد إلى رب العالمين عوض الاقتصار على موضوع نافلة الصيام فيه . وواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ذكر غفلة الناس عن قضية رفع الأعمال في هذا الشهرالشيء الذي يعني تنبيههم إلى وقفة خلاله لمحاسبة أنفسهم على ما قدمت أيديهم طيلة حول  كامل ينتهى بحلول شهر شعبان.

 وأية فائدة في حديث الخطباء في خطبهم عن قيام ليلة المنتصف من شعبان وصيام يومه ومرورهم مرور الكرام  على قضية رفع الأعمال فيه ؟ وماذا يفيد صيام هذا الشهر الذين ساءت أعمالهم  إما بتقصير أو غش أو تزوير أو تلفيق أو تدليس أو نهب أو سلب أو سطو أو غلول أو غصب أو ظلم  ... إلى غير ذلك من الآفات التي تفسد بها المعاملات ؟ فهل قيام ليلة المنتصف من شعبان وصيام يومها أو صيام أيام أخر منه يمكن أن يرد حقوق ضائعة إلى أصحابها  ويتحلل منها من ضيعوها ؟

ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه " ؟؟؟

ولقد جاءت الإشارة في هذا الحديث إلى خطورة القول أو الفعل الكاذبين  والجهل الذي هو التصرف الأحمق والأرعن  في التعامل ، وكل ذلك مما يفسد عبادة الصيام .

 أفلا يجدر بالخطباء ممن اقتصروا على مجرد ترغيب الناس في صيام أيام من شهر شعبان أن يتناولوا مفسدات هذا الصيام للمعاملات مما سبقت الإشارة إليه وهي كثيرة ؟ أليس من قول الزور وهو الباطل والكذب الدعوة إلى إنهاء وجود الدين في الأمة ، واستباح المنكرات مما تسوقه بعض وسائل الإعلام لبعض العلمانيين مما يسمونه حريات فردية تتعلق بإشاعة الفواحش مما يسمى رضائية ومثلية تمويها  بهذه التسميات على قبح وشناعة  فاحشة الزنا وعمل قوم لوط ؟

وما يقال عن قول الزور يقال أيضا عن فعله ، وهو ما أفسد كل أنواع المعاملات.

ألا يجدر بمن يعتلون منابر الجمعة  أن ينكروا في خطبهم  هذه المنكرات أقوالا وأفعالا المهددة لقيم الإسلام وأخلاقه وهو أوجب ما يجب عليهم ؟ أليس في تناول مواضيع إنكارها ما يجعل المواطنين عندنا يستهجنونها ، ويحذرونها ، ويصونون أنفسهم وأهليهم من التطبيع مع أي شكل من أشكالها ، وقد صارت مطالب ملحة لدى دعاة الفساد والإفساد من العلمانيين عندنا  والذين يحذون حذو العلمانيين الغربيين علما  بأن الأمر بلغ  بالفرنسيين منهم حد مطالبة أئمة المساجد بالاحتفال بزواج المثليين ، وذلك لوقف ما يسمونه الانفصالية أو الانعزالية الإسلامية ودفاعا عن قيمهم العلمانية التي يريدونها مسيطرة ومهيمنة عن طريق عولمتها ؟

أين هي مواضيع خطب الجمعة عندنا مما يريده العلمانيون  في الخارج والداخل من مكر بديننا وقيمه الأخلاقية  ؟

جميل جدا أن تذكر خطب الجمعة رواد المساجد بالجوانب التعبدية التي تحل بحلول بعض أيام الله عز وجل لأن الذكرى تنفع المؤمنين، ولكن لا مندوحة لها عن طرق مواضيع  أخطارتمس إسلامهم في الصميم ، وتتهدده خصوصا أمام حملة طغيان الإعلام المسوق للفكر العلماني الإباحي في غياب رقابة عليه تكبح جماحه في بلد مسلم واقعا ودستورا  يا حسرتاه .

ونختم بالقول إن أخوف ما نخافه أن يكون المسار الذي أخذته خطب الجمعة مع حلول الجائحة من خلال تغييب استعراض  ومعالجة أحوال وقضايا الأمة  الآنية والملحة وعرضها على الكتاب والسنة  أمرا مقصودا تنفيذا لأجندات خارجية يراد فرضها فرضا على شعب مسلم بطرق ماكرة  وخبيثة لجهات ضالعة في الفساد والإفساد.

وسوم: العدد 922