نعم؛ دامٍ، ولكن!

خطبة الجمعة 3 / 1 / 2014م

د. محمد سعيد حوى

برغم الدماء والأشلاء والقتل والمؤامرات، والتضحيات والمصائب؛ نستقبل عامنا الجديد بمزيد من الإيمان واليقين بالله، والثقة به، والتوكل عليه سبحانه، والتسليم لأمره، والرضا بمراده

﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]

ولو أردنا أن نعدد جوانب ايجابية في واقع المسلمين سنجد خيرا كثيراً، فوعي الأمة يزداد ، وانتشار الإسلام أكبر، وحركة الإصلاح تتعمق وتتجذر، ومخططات الأعداء إلى فشل برغم ما يطفو على السطح، والمساجد تزداد وتمتلئ وأعمال الخير في الأمة م أكثرها بالرغم من أنها جهود شعبية في الغالب.

ولكننا نستمر معكم في بعض المراجعات التي بدأناها، كنوع من المصارحة والمحاسبة، ليحدد المسلم موقفه، وواجبه، في ضوء مزيد من التعرف على الواقع.

وقلنا إن من سمات العام المنصرم:

أولاً: تجلي ظاهرة الشيطنة والقولبة ، وقد حذرنا القرآن من ذلك فقال: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواًّ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112]

وقد قال تعالى في حق شجرة الزقوم ﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴾ [الصافات: 65]، مما يدل على خطورة أن تشيطن جهة ما، وفي الحديث

 (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ " قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: " السَّفِيهُ" (وفي رواية التافه) يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ) مسند أحمد، 7912.

وهذه الظاهرة تدل على عمق الأزمة لدى هؤولاء وسقوطهم الأخلاقي وتدعون لمزيد من الإنحياز إلى الحق .

وثانياً: من سمات ذلك العام هذا العداء الحاد العلني المكشوف لدرجة الفجور من بعض من ينتسب للعلمانية ضد الإسلام في تشريعاته وهويته، وأيضاً هذا يدعونا إلى مزيد من المواقف الواضحة نصرة للإسلام.

و ثالثاً: من سماته الأبرز: هذا السقوط الأخلاقي المريع لما يسمى بالمجتمع الدولي؛ إزاء مشاهد القتل والدمار، وهم لا أقول لايبالون، بل يخططون لذلك، وهذا يعجل بنهايتهم، ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ﴾ [الإسراء: 7]

 ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ [الإسراء: 16]

ولعلّ هذا من مصاديق حديث

(عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا) ، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ» ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» سنن أبي داود، صحيح، 4297.

فما أحوجنا إلى الخروج من الغثائية وذلك بالتطهر من حب الدنيا وكراهية الموت.

ثم من السمات الأهم:

رابعاً: ولقد كان من معالم عامنا المنصرم تجلي ظاهرة الدجال التي طالما حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بشكل لا يوصف مما قد لا يتسع المقام لبسطه الآن ، لكن في ضوء المراجعات المطلوب أن يحصن المسلم نفسه من التأثر بالدجل والدجالين.

خامساً: ظاهرة سوس الخشب ومعاول الهدم:  وما أدراك ما سوس الخشب؛ حيث أن أمتنا الإسلامية بفضل الله حرصت طوال أربعة عشر قرناً على استيعاب كل المكونات ممن يسمون بالأقليات فأمّن لهم الحماية والمواطنة والمشاركة، لكن خطط الاستعمار الأوربي أن يستغل عناصر من الأقليات، وليس كلها بالضرورة، لتكون عوناً له في اختراق الأمة من  داخلها على مستوى كل قطر ثم جعل من بعض الأقليات على مستوى العالم هي الوسيلة التي يخترق بها العالم الإسلامي ويفتت بنيانه، ويفرق كلمته وقبلت أقليات لنفسها هذا الدور لأجل مصالح موهومة، فأخذت تتحالف مع العدو ضد مصالح الأمة الإسلامية. وكذلك أولئك الذين يبيعون أنفسهم للعدو، أو للطغاة لحفنة من المصالح، هم معول الهدم.

وبمعنى آخر ظاهرة النفاق، والولاء لفرقة أو عدو أو مصالح خاصة و الولاء لغير الإسلام؛ وبتتبع النصوص نجد أخطر شيء على العقيدة والأمة بعد الشرك؛ الخلل في الولاء

﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ .. اسرارهم﴾ [محمد: 25]

﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 3]

﴿ لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]

وهناك من يغذي الأقليات بطرح أفكار هدامة جداً؛ مثلاً: عندما تصر فضائيات على شتم ولعن الصحاية، ويمضي ساستهم في التعاون مع العدو خدمة لمصالحهم الخاصة على حساب مصالح الأمة، وكان بإمكانهم أن يضعوا خططاً تخدم مصالح الجميع.

وعلى ضوء المراجعات كيف نمييز بين رفض سلوكيات بعض هذه الأقليات التي مارست الفتنة وفي نفس الوقت لا نسمح للعدو أن يستغل هذه الثمرات ولا ننساق وراء الفتن أياً كانت .

سادساً: وكان من مظاهر عامنا المنصرم أن استحرَّ القتل في المسلمين من مجازر كيماوية إلى مجازر رابعة إلى مجازر البراميل المتفجرة إلى غيرها مما لا يحصى، بعضهم يقول العدد تجاوز ربع مليون ...

وعلى ضوء المراجعات واجب الأمة الإسلامية الدفاع عن الحق ونصرة المظلومين والبراءة إلى الله سبحانه من أن يكون لنا أدنى ولاء لمن يقتل أو يفسد، وفي الوقت نفسه وعلى ضوء المراجعات لا بد أن نسأل أنفسنا لماذا يكون هذا ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]

سابعا: وعلى ضوء المراجعات أيضاً هنا يتجلى الثبات والصبر وعدم اليأس والإصرار على الحق.

إن مصير المجرمين واضح:

﴿ إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وَجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾ [القمر: 47-48]

ثم يبين لنا مصير المتقين ﴿ إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ،فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54 - 55]

ثم تأتي سورة الرحمن بعد سورة القمر لتبين أن أمر المجرمين مفضوح

﴿ يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ﴾ [الرحمن: 41]

﴿ وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [الكهف: 49]

وبالمقابل لا يستغرب المؤمن الحق كل ما يحدث

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]

لذا لا يتأثر المسلم سلبياً، ولا ينهار ولا يضعف، ولا ييأس

﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178]

﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196-197]

ولأن: لله سنن منها لا نستعجل

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 1]

﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47]

لكن واجبنا أن نبحث ونعمل ونخطط ونجتهد وندرس ونجاهد ونضحي لننجح في امتحان الابتلاء هنا تظهر حقيقة الإيمان والثقة بالله والمتهج،

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142]

﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوَهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَناًّ بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ، وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [محمد:4 - 6]

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]