أبواب الخيرات

عناصر الخطبة:

1- تفاوت الناس وتمايزهم: النّاس في هِمَمِهم متفاوتون، وفي طبائِعهم متمايِزون، وفي ميولهم ورغباتِهم متنوِّعون، ولكنّهم في مجموعهم متكامِلون، وبعضُهم لبعض مسخَّرون

2- قسمة الله بين الخلائق: قسم بينهم مواهبَهم وملكاتِهم كما قسم أرزاقهم وطبائعهم وأخلاقهم، وفاوت بين عقولِهم وفهومِهم كما فاوتَ بين ألسنتهم وألوانهم

3- تنوع أبواب الخير: خلق الله الخلقَ لعبادته وطاعتِه، وقسم حظوظَهم فيها، فمِنهم من كتبه مصلِّيًا قانتًا، ومنهم من كتبه متصدِّقًا محسنًا، فمن كان حظُّه في طاعةٍ أكثرَ كان منزلته في الجنّة ودرَجَته.

4- تفاوت الأعمال الصالحة: من المؤمنين من يفتَح الله عليه في القرآن الكريم والعنايةِ به وتلاوته، في الصلاة وغير الصلاة، ومنهم من يفتح الله عليه في العِلم أو في باب من أبوابه من التوحيد والحديث والفقه والتفسير.

5- مفهوم العمل الصالح: العمل الصالح واسعُ الميادين شامل المفاهيم، ينتظم أعمالَ القلوب والجوارحِ من الأقوال والأعمال والمقاصد في الظاهر والباطن والمواهبِ والملكات، من أعمالٍ خاصّة وعامّة، فرديّة وجماعية. في إكرام الضيف وعيادةِ المريض واتّباع الجنائز وإجابة الداعي ونُصرة المظلوم ومواساةِ الفقير.

6- التحذير من احتقار الناس وازدرائهم: بعضِ الناس ينتقص من بعض إخوانهم لأنّه لم يُفتَح عليهم في بعض أبواب العبادات وبخاصّة النوافلِ، فمَن فتِح له في ذلك فليحمدِ الله، وليحافظ على ذلك، لكن لا ينبغي أن ينظرَ لغيره بعينِ النقصِ أو العيب أو المَقت، فقد يكون قد فُتح لأخيه من أبواب الخير ما لم يرَه أو يعلمه أو يدرِكه.

-------------------------

هدايات قرآنية:

1- قال تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف:32].

2- وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22]، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات:96].

3- وقال عز وجل: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة:263]

4- وقال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

5- وقال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) [الزلزلة:6-8].

6- وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].

-------------------------

قبسات نبوية:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلّم يقول: ((من أنفَق زوجين من شيءٍ من الأشياء في سبيلِ الله دُعِي من أبواب الجنة: يا عبد الله، هذا خيرٌ، فمن كان من أهلِ الصلاة دُعِي من باب الصلاة، ومن كان من أهلِ الجهاد دُعِي من بابِ الجِهاد، ومَن كَان من أهل الصّدقة دُعي من بابِ الصدقةِ، ومن كان مِن أهل الصيام دُعِي من باب الصيام وباب الريان))، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما على هذا الذي يُدعَى من تلك الأبواب من ضرورة قال: هل يُدعَى منها كلِّها أحدٌ يا رسول الله؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكونَ منهم يا أبا بكر)) أخرجه البخاري في المناقب (3666)، وهو أيضا عند مسلم في الزكاة (1027).

2- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ النبيَّ : أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قال: ثمّ أيّ؟ قال: ((بر الوالدين))، قال: ثمّ أيّ؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قال: حدَّثني بهنّ ولو استزدتُه لزادني. متفق عليه واللفظ للبخاري، كتاب مواقيت الصلاة (527)، صحيح مسلم: كتاب الإيمان (85).

3- وسُئل النبيّ : أيّ الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وحدَه، ثمّ الجهاد، ثم حجَّة برَّة تفضُل سائرَ العمل كما بين مطلع الشمس ومغربها)) مسند أحمد (4/342)، وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير (20/344).

4- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سئِل رسول الله : أيّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: ((أدوَمُها وإن قلّ))، وقال: ((اكلفوا من العمَل ما تطيقون)) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق (6465).

5- وعن معاذ رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله : أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: ((أن تموتَ ولسانُك رطبٌ بذكر الله)) أخرجه ابن حبان في صحيحه (818)، وأخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص72)، والطبراني في الكبير (20/93، 106، 107)، والبيهقي في الشعب (1/393).

6- وعن معاذ رضي الله قال: قال رسول الله : ((إنّ الصلاة والصيامَ والذكر تضاعف على النفقةِ في سبيل الله بسبعمائة ضعف))،أخرجه أبو داود في سنن أبي داود: كتاب الجهاد (2498)، وأخرجه أيضا البيهقي في الكبرى (9/172)، وصححه الحاكم (2415).

7- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((الغزوُ غزوان، فأمّا من ابتغَى وجهَ الله وأطاع الإمامَ وأنفق الكريمة وياسَر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهَه أجر كلّه، وأمّا من غزا فخرًا ورياءً وسُمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنّه لم يرجع بالكفاف)) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الجهاد (2515)، وأخرجه أيضا أحمد (5/234)، والنسائي في الجهاد (3188)، والدارمي في الجهاد (2417)، وصححه الحاكم (2435)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1990).

-------------------------

أمثلة تطبيقية:

1- ورد في الأثر عن الإمام مالك رحمه الله، أنه كتب إليه عبد الله العُمري العابد يحضُّه على العُزلةِ والعمَل المنفرد، فكتب إليه الإمام مالك رحمه الله: "إنَّ الله قسم الأعمالَ كما قسم الأرزاق، فرُبّ رجلٍ فُتِح له في الصلاة ولم يفتَح له في الصوم، وآخر فُتح له في الصدقةِ ولم يفتَح له في الصوم"، قال مالك: "ونشرُ العلم من أفضلِ أعمال البرّ، وقد رضيتُ بما فُتح لي فيه، وما أظنّ ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكونَ كلانا على برٍّ وخير" التمهيد (7/185).

2-  قال عبد الله بن المبارك: "ما رأيتُ أحدًا ارتفع مثل مالك، ليس له كثيرُ صلاة ولا صيامٍ إلا أن تكونَ له سريرة"، أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/330).

ويستدرك على ذلك الإمامُ الذهبيّ رحمه الله فيقول: (ما كان عليه مالك من العلمِ ونشره أفضلُ من نوافل الصلاة والصومِ لمن أراد به وجه الله) سير أعلام النبلاء (8/97).

3- كان أصحابُ رسول الله ورضي الله عنهم أجمعين من شِدّة حُبِّهم للخير وحرصهم على العمل الصالح يسألون رسولَ الله : أيّ الأعمال أفضَل؟ ويسألونه: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ لأنّهم يعلمون أنّ الإنسانَ ليس في وسعِه ولا في طاقَته أن يأتيَ بجميع الأعمال.

وقد كان جوابُ رسول الله متعدِّدًا في أوقاتٍ مختلفة وفي أحوال مختَلفة أيضًا، وقد بيّن أهل العلم رحمهم الله الحكمةَ في تعدُّد إجاباتِ النبيّ واختلافها فقالوا: إنّ ذلك من أجل اختلافِ أحوال السائلين واختلافِ أوقاتهم، فأعلَمَ كلَّ سائل بما يحتاج إليه، أو بما له رغبةٌ فيه، أو بما هو لائق به ومناسبٌ له.

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: حينما قال الفقراء لرسول الله : يا رسول الله، ذهَب أهل الدّثور بالأجور، يصلّون كما نصلِّي ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون بفضول أموالهم، قال: أهل العلم ظنَّ الفقراء أنْ لا صدقة إلا بالمال، وهم عاجزون عن ذلك، فأخبرَهم النبيّ أنّ جميعَ أنواع فعل المعروف والإحسان صدقة، فقال لهم النبيّ : ((أوَليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون؟! إنّ بكل تسبيحةٍ صدقة، وكلّ تكبيرة صدقة، وكلّ تحميدة صدقة، وكلّ تهليلة صدَقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن منكرٍ صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقة)) أخرجه مسلم في الزكاة (1006)

4- قيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إنك لتُقِلّ الصوم! قال: (إنّه يضعِفني عن قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحبّ إليّ) (21) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/274)، والطبراني في الكبير (9/175)، والبيهقي في الشعب (2/354).

5- ذُكر في العِلل للإمام أحمد: "إنّ الحسنَ تكلّم وبلّغ العلم احتسابًا، وسكت ابن سيرين احتسابًا(22) رواه ابن الجعد في مسنده (1328)، والبيهقي في الشعب (4/269)، والمزي في تهذيب الكمال (32/530) عن يونس بن عبيد من قوله.

6- وقال الأوزاعي: "ذهب عليهم الحسنُ بالمواعظ، وذهب عطاء بالمناسك" العلل ومعرفة الرجال (1140).

7- وأوضحُ من ذلك وأظهر ما حدّث به نبيّنا محمّد عن بعض أصحابه حين قال: ((أرحم أمّتي بأمّتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبيّ بن كعب، وأفرضُهم زيد بن ثابت، وأعلمُهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإنّ لكل أمّة أمينًا، وإنّ أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)) أخرجه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح" والنسائي في السنن الكبرى (8242،8287) كتاب المناقب (3790، 3791).